قال تعالى: {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} [التكوير:24].
(وما هو على الغيب بضنين) أي: ببخيل، قال مجاهد: ما يضن عليكم بما يعلم من الوحي بالتعليم والتبليغ.
وقال الفراء: يأتيه غيب السماء وهو شيء نفيس فلا يبخل به عليكم.
وقال أبو علي الفارسي: المعنى: أنه يخبر بالغيب فيبينه ولا يكتمه كما يكتم الكاهن ذلك، ويمتنع من إعلانه حتى يأخذ عليه حلواناً.
وقرئ: (وما هو على الغيب بظنين) بالظاء أي: وما هو بمتهم على ما يخبر به من الغيب.
قال القاشاني: لامتناع استيلاء شيطان الوهم من التخييل عليه فيخلف كلامه أو يمزج المعنى القدسي بالوهمي والخيالي.
كما قال هرقل لـ أبي سفيان: (وسألتك: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فزعمت أن لا، فعرفت أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس ثم يذهب فيكذب على الرب سبحانه وتعالى).
فيما يتعلق بقراءة: (وما هو على الغيب بظنين) يقول الإمام ابن جرير رحمه الله تعالى: وأولى القراءتين في ذلك عندي هي ما عليه خطوط مصاحف المسلمين متفقة وإن اختلفت قراءتهم به وذلك بالضاد؛ لأن ذلك كله كذلك في خطوطها.
ثم يقول: فأولى التأويلين بالصواب في ذلك تأويل من تأول: وما محمد على ما علمه الله من وحيه وتنزيله ببخيل بتعليمكموه أيها الناس، بل هو حريص على أن تؤمنوا به وتتعلموه.
واختار أبو عبيدة القراءة بالظاء لوجهين: أحدهما: أن الكفار لم يبخلوه وإنما اتهموه، فنفي التهمة أولى من نفي البخل.
ثانيهما: أن الضاد والظاء في الخط القديم لا يختلفان إلا بزيادة قراءة إحداهما على الأخرى زيادة يسيرة.
أقول: وهو كما قال، ويعرفه من قرأ الخط المسند، وليس فيه اتهام لنقلة المصاحف كما يتوهم؛ لأن ما نقلوه موافق للقراءة المتواترة، ولابد مما ذكره أبو عبيدة بأنهم اشترطوا في القراءات موافقة الرسم العثماني، ولولاه كانت قراءة الظاء مخالفة له.
انتهى.
وقال ابن كثير: وكلتا القراءتين متواترة ومعناها صحيح كما تقدم.