قال تعالى: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ * فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ} [المدثر:8 - 10].
أي: إذا نفخ في الصور، والناقور من النقر.
بمعنى التصويت، وأصله القرع الذي هو سبب الصوت، ومنه منقار الطائر؛ لأنه يقرع به وينقر به على الأشياء، وأريد به النفخ؛ عبر به لأنه نوع من الصوت.
{فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ}، أي: شديد.
{عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ}، أي: ليس بهين على الكافرين لما يحيط بهم من الغم والكرب، وفي قوله: {غَيْرُ يَسِيرٍ}، تأكيد يمنع أن يكون عسيراً عليهم من وجه دون وجه، ويشعر بيسره على المؤمنين، ففيه جمع بين وعيد الكافرين وبشارة المؤمنين.
يعني: أن وصفه اليوم أولاً بقوله: {فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ}، قد يتوقع بعض الناس أنه عسير على المؤمنين وعسير على الكافرين فأتى بالآية التي تليها ليدفع هذا التوهم فقال: {عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ}.
ثم إنه قد يقول قائل: (فذلك يومئذ يوم عسير) قد يكون عسيراً من وجه لكن ليس عسيراً من وجه آخر، فدفع هذا الوهم بقوله: {عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ}، فهذا عسر لا يسر فيه على الإطلاق.
يقول الشيخ عطية سالم رحمه الله تعالى: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ}، الناقور: هو الصور، وأصل الناقور الصوت.
قال الزمخشري: إن (غَيْرُ يَسِيرٍ)، كان يكفي عنها (يوم عسير) إلا أنه أراد ليبين لهم أن عسره لا يرجى تيسيره.
يعني لأن الإنسان قد يتوقع هذا العسر يسيراً: {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح:6]، فمهما كان هناك من شدة فإنها ستنتهي، فربما توهم بعض الناس أن شدة الأهوال يوم القيامة لها نهاية، فبين لهم عز وجل أنه لا يرجى بعده يسر، والعياذ بالله! وأيضاً فيه زيادة وعيد للكافرين، وفيه نوع بشارة للمؤمنين لسهولته عليهم، ولعل المعنيين مستقلان، وأن قوله تعالى: {فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ}، كلام مستقل، وهو وصف لهذا اليوم وبيان للجميع شدة هوله كما قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:1 - 2]، هذا عام في الناس كلهم، وقال تعالى: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ} [عبس:34 - 35].
ثم بين تعالى أن اليوم العسير على الكافرين فقال: {عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ}، كما قال تعالى عنهم: {فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا * السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ} [المزمل:17 - 18]، بينما يكون على المؤمنين يسيراً، مع أنه عسير في ذاته لشدة هوله، لكنه يخفف عن المؤمن، هذا هو المقصود من الآية التالية، وهي قوله: {عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ}، فهو في حد ذاته يوم شديد، لكنه يخفف على المؤمن، كما قال الله تبارك وتعالى: {وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ * وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ * مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ * وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [النمل:87 - 90].
فالفزع من الصعقة يوم ينفخ في الصور عام لجميع من في السماوات ومن في الأرض، إلا من شاء الله، ثم بين تعالى أن الآمنين هم الذين جاءوا بالحسنات.