قال تعالى: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا * وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا * إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا وَجَحِيمًا * وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا} [المزمل:10 - 13].
((واصبر على ما يقولون)) من الأذى والافتراء عليك.
((واهجرهم هجراً جميلاً)) أي: بالإعراض عن مكافأتهم بالمثل؛ لأن الهجر الجميل هو أن تعرض عن مقابلة الأذى بأذى مثله، وهذا كقول الله تبارك وتعالى: {وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ على الله} [الأحزاب:48] أي: أعرض عن أذاهم وتوكل على الله.
((وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ)) أي: دعني والمكذبين، وكل أمرهم إلي، فإن لي قدرة على الانتقام منهم.
((أولي النعمة)) أي: أولي التنعم، ويريد بذلك عز وجل صناديد قريش ومترفيهم.
((ومهلهم قليلاً)) أي: تمهل عليهم زماناً أو إمهالاً قليلاً.
((إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا)) أي: قيوداً.
((وجحيماً)) أي: ناراً شديدة الحر والاتقاد.
((وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ)) أي: طعاماً يغص به آكله فلا يسيغه.
((وعذاباً أليماً)) أي: ونوعاً آخر من أنواع العذاب مؤلماً لا يعرف كنهه.
كما يقول الله عز وجل في نعيم الجنة: (أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر) وقال سبحانه: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة:17].
أي: كما أن في الجنة ما لم يخطر على قلب بشر ولا يمكن لبشر أن يتصور كنهه، فكذلك النار فيها من العذاب ما لا يخطر على قلب بشر ولا يمكن أن يدرك كنهه، وهو فوق طاقة البشر ولا يستطيعون تخيله، فليست نار الآخرة كنار الدنيا.
((وطعاماً ذا غصة وعذاباً أليماً)) أي: ونوعاً آخر من أنواع العذاب مؤلماً لا يعرف كنهه، فلا ترى موكولاً إليه أمرهم ينتقم منهم بمثل ذلك الانتقام.
والمعنى: إذا كان لدينا عذاب لا يتصور كنهه ولا يدركه أحد، فحقيق ألا تفوض أمرهم ولا تكل حسابهم ولا ترجو الانتقام منهم إلا من الله سبحانه وتعالى؛ لأنه أقدر على الانتقام منهم.