يقول الزمخشري: قوله: ((عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا} أي: أنه لا يطلع على الغيب إلا المرتضى الذي هو مصطفى للنبوة خاصة، لا كل مرتضى.
يعني: يمكن أن الله سبحانه وتعالى يرتضي من عباده الأولياء والصالحين، لكن يقصد هنا طبقة معينة من المرتضين، وهم من خصوا بالرسالة فقط، فهم الذين يطلعهم الله على هذا الغيب.
يقول الزمخشري: وفي هذا إبطال للكرامات؛ لأن الذين تضاف إليهم وإن كانوا أولياء مرتضين فليسوا برسل، وقد خص الله الرسل من بين المرتضين بالاطلاع على الغيب.
لمزيد من التوضيح فـ الزمخشري معتزلي ينكر الكرامات، فهو يفسر الآية بطريقة معينة، بمعنى: أن الله سبحانه وتعالى لا يطلع على الغيب إلا درجة معينة ممن ارتضاهم ورضي عنهم، وهم من خصوا بالرسالة، لكن لا يوجد أحد يدعي أن الكرامات هي ما تعلق بشيء من الغيب، وكذلك لا يوجد أحد يزعم أن الأولياء يعلمون الغيب إلا من خلال أمرين اثنين: إما رؤيا منامية، كأن يرى رؤيا صالحة تشير إلى شيء من الغيب، ومع ذلك فهذا الولي لا يقطع بها الأمر الثاني: الفراسة، والفراسة هي نور البصيرة التي ينور الله بها قلب المؤمن، فيرى ويدرك الأشياء بنور الفراسة.
وهذا أيضاً لا يقطع به كمصدر من مصادر الحقائق العلمية، وإنما هو شيء مظنون.
فهل تنحصر كرامات الأولياء في هذا الباب فقط، أم تنحصر في خرق العادة بالكرامات الشهيرة المعروفة؟ يعني: كون بعض الناس ادعى الاطلاع على الغيب، فهل يجعلنا نبطل جميع كرامات الأولياء؟! كيف والقرآن نفسه احتوى على شيء من كرامات الأولياء، مثل كرامة مريم، كما في قوله تعالى: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران:37].
إذاً: فالكرامات لا تنحصر فيما يتعلق بالإخبار عن الغيب، مع أننا لا ندعي أن أولياء الله يعلمون الغيب، لكن نقول: ربما يكون هناك إخبار بأشياء ستقع عن طريق رؤيا لا يقطع بها، أو عن طريق الفراسة، وهي أيضاً لا يقطع بها.
يقول الزمخشري: وقد خص الله الرسل من بين المرتضين بالاطلاع على الغيب، وإبطال الكهانة والتنجيم؛ لأن أصحابهما أبعد شيء من الارتضاء وأدخله في السخط.
وهذا صحيح، نقول: إن قوله تعالى: ((عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا)) * ((إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ)) يؤخذ منها أنه سبحانه وتعالى لا يخبر بهذا الغيب إلا من ارتضاه من الرسل، ويؤخذ من هذه الآية إبطال الكهانة والتنجيم؛ لأن أصحابهما هم أولى الناس بسخط الله، وهم أبعد الناس عن أن يرضى عليهم الله، فكيف يقال إنهم يعلمون الغيب؟!