قال تبارك وتعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} [الحاقة:40].
قوله: ((إنه)) أي: القرآن الكريم.
قوله: ((لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ)) وهو محمد صلى الله عليه وسلم يبلغه عن الله تعالى؛ لأن الرسول لا يبلغ عن نفسه، ويحتمل أن يكون الرسول المذكور هنا هو النبي محمداً صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون جبريل عليه السلام، خاصة وأن الله سبحانه وتعالى قال في سورة التكوير: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} [التكوير:19 - 21] فهذا جبريل، فيحتمل أن يكون الرسول الكريم هناك هو الرسول الكريم هنا، لكن في سورة التكوير لا تحتمل إلا جبريل، أما في سورة الحاقة فيحتمل الاثنين، لكن مما يرجح أن المراد به هنا هو النبي محمدٌ صلى الله عليه وآله وسلم قول الله تبارك وتعالى بعد ذلك مباشرة: {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ} [الحاقة:41]؛ لأن الذي اتهم بأنه شاعر هو الرسول عليه الصلاة والسلام، ولم يتهم جبريل بأنه شاعر، فهذا السياق يرجح أن المقصود بالرسول هنا هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
إذاً: قوله: ((إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ)) يعني: إنه لقول محمد صلى الله عليه وسلم على سبيل التبليغ، وهو من عند الله، والقرينة التي تدل على أن قوله: (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) على سبيل التبليغ لا أنه أنشأه هي: قوله بعدها بآيتين: {تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الحاقة:43].
وقد نسب القرآن إلى النبي عليه الصلاة والسلام مرة، ونسب إلى جبريل أكثر من مرة، وهذا مما يوضح ومما يرجح تفسير قوله تعالى: ((إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ)) بأنه محمد عليه الصلاة والسلام؛ لأننا إذا فسرناه بجبريل فتكون هذه الآية توكيداً لما ورد في سورة التكوير من أن سند القرآن الكريم يكون عن الرسول عليه الصلاة والسلام عن جبريل عن الله عز وجل، ولا شك أنه يكون الأقوى أن ترد آية تنزه سند القرآن مرة من قبل الرسول البشري، ومرة من قبل الرسول الملكي، حتى يحصل التنزيه لكل سند القرآن الكريم.
إذاً: الأفضل أن نقول هنا في تفسير هذه الآية: ((إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ)): هو محمد عليه الصلاة والسلام وهذا تنزيه للرسول البشري، وهناك في سورة التكوير نقول: هو تنزيه للرسول الملكي.
إذاً: خلاصة تفسير قوله تبارك وتعالى: ((إِنَّهُ)) أي: القرآن ((لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ)) هو محمد صلى الله عليه وسلم يبلغه عن الله تعالى؛ لأنه وصفه بأنه رسول، والرسول يبلغ ما أرسل به وليس هو المتكلم به.
كذلك قوله تبارك وتعالى بعدها: {تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الحاقة:43] يؤكد أن المقصود بقوله: ((لَقَوْلُ رَسُولٍكَرِيمٍ)) على سبيل التبليغ، خلافاً لكلام المستشرقين وأعداء الإسلام الأغبياء، الذين يطعنون في القرآن الكريم ويقولون: القرآن متناقض، مرة يوصف القرآن بأنه قول محمد، ومرة يوصف بأنه قول جبريل، ومرة يوصف بأنه قول الله، فهذا من سفاهة عقولهم، وجهلهم باللغة العربية، إذا كان أهل اللغة العربية يغفلون عن إدراك أسراره إن لم يكونوا من المتضلعين بها، فما بالك بأعاجم لم يشموا رائحة العلم في اللغة العربية وأسرارها وفصاحتها؟! كذلك في سورة التكوير قال: {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} [التكوير:22] فهذا تنزيه أيضاً للرسول البشري هنا؛ لأنه قال في حق جبريل: {مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} [التكوير:21] ثم قال: {وَمَا صَاحِبُكُمْ} أي: محمد عليه الصلاة والسلام.