تفسير قوله تعالى: (إني ظننت أني ملاق حسابيه)

قال تبارك وتعالى: {إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ} [الحاقة:20].

قوله: ((إِنِّي ظَنَنتُ)) أي: علمت أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ.

قوله تعالى هنا: إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ معروف أن الظن واسطة بين الشك وبين العلم، وقد يأتي الظن بمعنى العلم إذا وجدت قرائن، وذلك مثل قوله تبارك وتعالى: {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا} [الكهف:53] قوله: ((فظنوا)) أي: علموا وتيقنوا، بقرينة قوله تعالى: {وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا} [الكهف:53].

كذلك هنا في قوله: إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ فهي أيضاً بمعنى العلم؛ لأن العقائد لا يصلح فيها الظن.

إذاً: قوله إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ يعني: كنت أؤمن بالبعث والنشور والحساب والجزاء ولست ممن كان ينكر البعث والنشور، فظننت أني ملاق حسابيه، وأني سأُجازى يوم الحساب، فلذلك أعددت له عدة.

إذاً: العقائد لا تقوم على الظن، وإنما تقوم على اليقين والعلم، فمن ثم ففي الكلام على العقائد لا يمكن أن يكون الظن بمعنى الشك، وإنما الظن بمعنى العلم، أي: علمت وأيقنت أني ملاق حسابيه.

ودل القرآن أيضاً على أن الظن قد يكون بمعنى العلم؛ وذلك بمفهوم قوله تبارك وتعالى: {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات:12]، هذا هو المنطوق، أما المفهوم فهو أن البعض الآخر حق وليس إثماً، وهو ما كان حقاً، وقال تبارك وتعالى: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة:46] فوصف المؤمنين بأنهم يؤمنون بلقاء الله وبالبعث وبالنشور وبالحساب والجزاء، فما دام الموضوع هنا متعلقاً بالعقيدة فلا يمكن فيها إلا اليقين وليس الظن، ويكون الظن هنا بمعنى العلم.

قوله: ((إِنِّي ظَنَنتُ)) أي: علمت.

قوله: ((أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ)) أي: ملاقٍ جزائي يوم القيامة فأعددت له عدته، من الإيمان والعمل الصالح؛ لأن الإيمان بالبعث والنشور ركن من أركان الإيمان، ويثاب الإنسان على التصديق به، لكن لا يكفي فقط في النجاة من العذاب، فلابد مع الإيمان بالبعث والنشور أن تعد العدة للقاء الله، وأن تعد للسؤال جواباً، فمن ثم نقول في تفسير قوله: إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ إني علمت أني ملاق جزائي يوم القيامة، فأعددت له عدته من الإيمان والعمل الصالح.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015