قال تعالى: {فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [القلم:44 - 45].
ثم أتبع تعالى تخويفهم بعظمة يوم القيامة لترهيبهم بما عنده وفي قدرته من القهر، فقال سبحانه وتعالى: {فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ} أي: كِلْهُ إلي فإني أكفيكه، وهذا من بليغ الكناية، كأنه يقول: حسبك انتقاماً منه أن تكل أمره إلي وتخلي بيني وبينه، فإني عالم بما يجب أن يفعل به قادر على ذلك.
وأبهم العقوبة.
وقوله تعالى: ((سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ)) أي: سنكيدهم بالإمهال وإدامة الصحة وزيادة النعم من حيث لا يعلمون أنه استدراج وسبب لهلاكهم، يقال: استدرجه إلى كذا أي: استنزله إليه درجة فدرجة حتى يوقعه فيه، فهو يزداد في العتو والخبث والمعاصي والله سبحانه وتعالى يزيده من النعم وسعة الرزق والصحة والعافية، فهو في الظاهر يتمتع لكن في الحقيقة إنما يُمكر به، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيت الله تعالى يعطي العبد على معاصيه فاعلم أنه استدراج، ثم تلا قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} [الأنعام:44]).