تفسير قوله تعالى: (فتنادوا مصبحين إن كنتم صارمين)

قال تعالى: {فَتَنَادَوا مُصْبِحِينَ * أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَارِمِينَ} [القلم:21 - 22].

أي: إن كنتم عازمين على الصرام والجداد.

قال قتادة: ((إِنْ كُنتُمْ صَارِمِينَ)) يعني: حاصدين زرعكم.

وقال الكلبي: ما كان في جنتهم من زرع ولا نخيل.

وقال مجاهد: كان حرثهم عنباً ولم يقولوا: إن شاء الله.

وقيل: معنى {وَلا يَسْتَثْنُونَ}: لا يستثنون حق المساكين.

فجاءوها ليلاً فرأوا الجنة مسودة قد طاف عليها طائف من ربك وهم نائمون.

قيل: الطائف جبريل عليه السلام.

وقيل: أمر من ربك.

وقيل: عذاب من ربك.

وقيل: عنق من نار خرج من وادي جهنم.

يقول القرطبي رحمه الله تعالى: في هذه الآية دليل على أن العزم مما يؤاخذ به الإنسان؛ لأنهم عزموا على أن يفعلوا فعوقبوا قبل فعلهم.

فالعزم هو الإرادة الجازمة الأكيدة، فلا يشكل على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل به).

فالحديث في خاطر النفس العابر، والكلام فيه غير الكلام فيما جزم الإنسان فيه بالقصد، فإذا نوى قطعاً أن يفعل شراً فإنه يؤاخذ على نيته الجازمة؛ لأنه ترك الفعل بسبب أنه حيل بينه وبين الفعل، فلولا العذاب الذي نزل بأرضهم لكانوا قطعاً عازمين ولم يستثنوا أنهم سوف يحرمون المساكين من حقهم.

فهؤلاء عوقبوا على العزم وعلى النية، فليست هي وساوس ولا خطرات ولا حديث نفس، بل هي نية جازمة وعازمة على هذا الفعل.

ونظير هذه الآية قوله تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج:25].

وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار.

قيل: يا رسول الله! هذا القاتل فما بال المقتول؟! قال: إنه كان حريصاً على قتل صاحبه)؛ لأنه كان سيباشر القتل لولا أن أخاه غلبه، فإذاً العزيمة هنا جازمة ومبيتة، فعليها يعاتب الإنسان ويعاقب.

قوله تعالى: {فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ} الصريم هو الليل المظلم الأسود، أي احترقت فصارت كالليل الأسود.

وعن ابن عباس قال: صارت كالرماد الأسود.

وقال: الصريم: الرماد الأسود بلغة خزيمة.

وقيل: الصريم كالزرع المحصود.

فالصريم بمعنى المصروم، أي: المقطوع ما فيه.

وقال الحسن: صرم عنها الخير: أي: قطع.

فالصريم مفعول أيضاً.

(فتنادوا) أي: نادى بعضهم بعضاً (مصبحين) أي: وقت الصبح، ولم يشعروا بما جرى عليهم بالليل.

(أن اغدوا) أي: اخرجوا غدوة (على حرثكم) أي: على زرعكم، (إن كنتم صارمين) أي: إن كنتم قاصدين قطع ثمارها، وقد قطعها البلاء من أصلها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015