يقول الله تبارك وتعالى: {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ * وَلا يَسْتَثْنُونَ} [القلم:17 - 18].
(إنا بلوناهم) يعني: بلونا مشركي مكة واختبرناهم.
والمعنى: أعطيناهم أموالاً ليشكروا لا ليبطروا، فلما بطروا وعادوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتليناهم بالجوع والقحط، كما بلونا أهل الجنة المعروف خبرها عندهم.
وذلك أنها -كما قال القرطبي - كانت بأرض اليمن بالقرب منهم على فراسخ من صنعاء -ويقال: بفرسخين- وكانت لرجل يؤدي حق الله تعالى منها، فلما صارت إلى ولده منعوا الناس خيرها وبخلوا بحق الله فيها، فأهلكها الله من حيث لم يمكنهم دفع ما حل بها.
يقول القرطبي: قوله تعالى {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ}.
أي: بلونا مشركي مكة فاختبرنا بهذا التنزيل الحكيم هل يذكرون نعمته فيحيوا حياة طيبة، أو يصرون على تكذيبه فلا تكون عاقبتهم إلا كعاقبة أهل الجنة في امتحانهم الآتي ثم دمارهم؟ وقيل: معناه: أصبناهم ببلية القحط والجوع بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
{إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ}، هم قوم من أهل كتاب على ما روي عن ابن عباس، أو ناس من اليهود في قول عكرمة، أي: كتابيون.
فيتفق مع ما قبله.
وليس من ضرورة الاعتبار بالقصص والعظة به تسمية أهله لولا محبة المأثور.
فيذكر كلام عكرمة وابن عباس في تعيين هؤلاء القوم، لأن النفس تأنس بمعرفة الشيء المنقول، لحب الاستطلاع عند الإنسان والفضول، فيريد أن يعرف أكثر ما يستطيع عن هذه المعلومة.
{إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ} أي: ليقطعن ثمارها مبكرين، حيث لا يعلم مسكين بذلك.
فأرادوا أن يستيقظوا مبكرين ويحصدوا الثمرات قبل أن يستيقظ الناس فيحضر المساكين، كما اعتادوا في حياة أبيهم على ما روي.
{وَلا يَسْتَثْنُونَ} ليصرمنها ويحصدونها كلها ولا يستثنون، أي: لا يخرجون شيئاً من حق المساكين.
وهذا أحد القولين.
والقول آخر: {وَلا يَسْتَثْنُونَ} أي: ولم يقولوا إن شاء الله، {وَلا يَسْتَثْنُونَ} يعني: أنهم حلفوا ليصرمنها مصبحين ولم يستثنوا في هذا اليمين، بل كانوا جازمين قاطعين بأنهم سوف يقطعونها في الصباح قبل أن يأتي المساكين.