هنا فائدة من روائع البيان للصابوني نختم بها الكلام فيما يتعلق بحكم المطلقة قبل الدخول، فأحكام المطلقات ذكرتها الآيات وذكرت أنواعهن، وهن كالآتي: الأولى: مطلقة مدخول بها مسمىً لها المهر، ذكر الله سبحانه وتعالى حكمها أن عدتها ثلاثة قروء، ولا يسترد منها شيء من المهر، فقال تعالى: (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء)، فهذا هو الدليل على أن المدخول بها المسمى لها المهر عدتها إذا طلقت ثلاثة قروء، ولها المهر لا يسترد منها شيء من المهر، والدليل: ((وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا)).
الثانية: مطلقة غير مدخول بها ولا مسمى لها المهر، فهذه ذكر الله سبحانه وتعالى حكمها أنه ليس لها مهر وليس عليها عدة، وإنما لها المتعة بالمعروف؛ لقوله تعالى: ((لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ))، وليس عليها عدة لقوله تعالى: {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب:49]، ولها المتعة لقوله تعالى: (ومتعوهن).
الثالثة: مطلقة غير مدخول بها، أي: معقود عليها، لكن فرض لها المهر، فهذه لا عدة عليها، ولها نصف المهر، والدليل قوله: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة:237].
الرابعة: مطلقة مدخول بها وغير مفروض لها المهر، ذكرها الله سبحانه وتعالى في سورة النساء في قوله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النساء:24]، فهذه المطلقة المدخول بها يجب لها مهر المثل، وإذا كانت موطوءة بشبهة فيفرض لها مهر المثل، فالموطوءة بنكاح صحيح أولى أن يثبت لها مهر المثل.
وهل المتعة واجبة لكل مطلقة؟ دل قوله تعالى: ((وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ)) على وجوب المتعة للمطلقة قبل المسيس وقبل الفرض، وقد اختلف الفقهاء: هل المتعة واجبة لكل مطلقة؟ ذهب الحسن البصري إلى أنها واجبة لكل مطلقة؛ لعموم قوله تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة:241].
وقال مالك: إنها مستحبة للجميع وليست واجبة؛ لقوله تعالى: ((حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ)) وقوله: ((حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ))، ولو كانت واجبة لأطلقها على الخلق أجمعين.
وذهب الجمهور -الحنفية والشافعية والحنابلة- إلى أنها واجبة للمطلقة التي لم يفرض لها مهر؛ لأن هذه هي التي قال الله في شأنها: (ومتعوهن)، وأما التي فرض لها مهر فتكون المتعة لها مستحبة، وهذا مروي عن ابن عمر وابن عباس وعلي رضي الله عنهم، ولعله يكون الأرجح وفيه الجمع بين الأدلة، والله أعلم.
والحكم الأخير: ما معنى المتعة؟ وما هو قدرها؟ المتعة: ما يدفعه الزوج من مال أو كسوة لمطلقته إيناساً وإكراماً ودفعاً لوحشة الطلاق الذي وقع عليها، وتقديرها مفوض إلى الاجتهاد.
قال مالك: ليس للمتعة عندنا حد معروف في قليلها ولا كثيرها.
وقال الشافعي: المستحب على الموسع خادم، وعلى المتوسط ثلاثون درهماً، وعلى المقتر مقنعة.
وقال أبو حنيفة: أقلها درع وخمار وملحفة، ولا تزاد على نصف المهر.
وقال أحمد: فيها درع وخمار بقدر ما تجوز فيه الصلاة، ونُقل عنه أنه قال: هي بقدر يسار الزوج وإعساره لقوله تعالى: (على الموسع قدره وعلى المقتر قدره)، وهي مقدره باجتهاد الحاكم، ولعل هذا الرأي الأخير أرجح، والله تعالى أعلم.