قال تعالى: {مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} [القلم:2].
(ما أنت بنعمة ربك بمجنون) هذا جواب القسم، وهو نفي، وكان المشركون يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم: إنه مجنون به شيطان.
ويأتي قولهم الذي قصه الله تعالى عز وجل في قوله {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} [الحجر:6]، فأنزل الله تعالى رداً عليهم وتكذيباً لقولهم: {مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ}، أي: برحمة ربك، فمعنى النعمة هنا الرحمة.
ويحتمل أن النعمة مقسم به، وذلك على أن الباء باء القسم، والتقدير: ما أنت -ونعمة ربك- بمجنون.
لأن الواو والباء من حروف القسم.
وقيل: هو كما تقول: ما أنت بمجنون والحمد لله.
وقيل: معناه: ما أنت بمجنون والنعمة لربك.
كقولهم: سبحانك اللهم وبحمدك.
أي: سبحان الله والحمد لله.
والباء في (بنعمة ربك) متعلقة بمجنون منفياً كما يتعلق بغافل مثبتاً كما في قولك: أنت بنعمة ربك غافل، ومحل قوله تعالى {مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ}، النصب على الحال، كأنه قال: ما أنت بمجنون منعماً عليك بذلك.
((وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا)) أي: ثواباً على ما تحملت من أثقال النبوة ((غَيْرَ مَمْنُونٍ)) أي: غير مقطوع ولا منقوص.
يقال مننت الحبل إذا قطعته، وحبل منين: إذا كان غير متين.
قال الشاعر: غبس كواسب لا يمن طعامها وقال مجاهد: (غير ممنون): غير مكبل بالمن.
وقال الضحاك: أجراً بغير عمل.
وقيل: غير مقدر وهو التفضل؛ لأن الجزاء مقدر، والتفضل غير مقدر.
يقول القاسمي رحمه الله تعالى: قوله تعالى: {مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} جواب القسم قصد به تكذيب المشركين في إفكهم المحدث عنه بآية: {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} [الحجر:6].
((وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا)) أي: ثواباً على أذى المشركين واحتمال هذا الطعن والصبر عليه ((غَيْرَ مَمْنُونٍ)) يعني: غير منقوص ولا مقطوع.
قال ابن جرير: من قولهم: حبل منين إذا كان ضعيفاً.
وتقول: قد ضعفت منته: أي قوته.
أو: {وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ} أي غير ممنون به عليك، زيادة في العناية به صلى الله عليه وسلم والتنويه بمقامه.