قال تبارك وتعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك:15] الذلول بمعنى: مذللة سهلة لم يجعلها ممتنعة.
أي: جعل الأرض لينة سهلة المسالك.
قوله: ((فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا)) أي: في نواحيها وجوانبها، قال ابن جرير: نواحيها نظير مناكب الإنسان التي هي من أطرافه.
وفي قوله تعالى: ((فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا)) ثلاثة أقوال: القول الأول: مناكبها يعني: طرقها.
القول الثاني: جبالها؛ لأنه إذا أمكن كون السلوك والمشي في الجبال فهذا أبلغ في تسهيلها وتسخيرها.
القول الثالث: جوانبها ونواحيها.
وقوله: ((فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ)) لما ندبهم الله عز وجل إلى البحث عن الرزق استعمل الله لفظ المشي فقال: ((فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا))، لكن في العبادة قال عز وجل: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة:9]، وقال سبحانه: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم:39] وقال: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ} [الذاريات:50] وقال عز وجل: {سَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران:133]، وهذا من أجل أن يترفق الإنسان في طلب الرزق.
قوله: ((وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ)) أي: التمسوا من نعمه سبحانه وتعالى، فالأكل والرزق أريد به طلب النعم مطلقاً، وتحصيلها أكلاً وغيره، وهو اقتصار على الأهم الأعم.
وأنت إذا تأملت نعيم الدنيا وما فيها، لم تجد شيئاً منها أحوج إلى المرء غير ما أكله، وما سواه فهو متمم له أو دافع للضرر عنه.
قوله: ((وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)) أي: إليه نشوركم من قبوركم للجزاء.
قال في الإكليل في قوله تعالى: ((فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)): فيه الأمر بالتسبب والكسب، يعني: أخذ أسباب طلب الرزق.
وقال ابن كثير: في الآية تذكير بنعمته تعالى على خلقه في تسخيره لهم الأرض، وتذليله إياها لهم، بأن جعلها قارة ساكنة لا تميد ولا تضطرب؛ بما جعل فيها من الجبال، وأنبع فيها من العيون، وسلك فيها من السبل، وهيأ فيها من المنافع ومواضع الزروع والثمار.
والمعنى سافروا حيث شئتم من أقطارها، وترددوا في أقاليمها وأرجائها في أنواع المكاسب والتجارات.