قال تعالى: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك:10].
يقول القاسمي: قوله: ((وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ)) أي: لو كنا نسمع من النذر ما جاءت به.
يعني: لو كنا نتفكر في كلام الله الذي جاء به المرسلون سماع طالب للحق وعقلنا ذلك ((مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ)) أي: ما كنا في عداد أهل النار.
ودل قوله تعالى: ((وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ)) على أن الكافر لم يعط من العقل شيئاً، ولذلك القرآن الكريم ينفي عنهم أحياناً العقل، مع أنه في مواضع أخرى يثبته، فما الجمع بينهما؟
صلى الله عليه وسلم أن العقل موجود، لكن لما كانت الحكمة من خلق الإنسان وتكريمه بالعقل أساساً هي أن يتفكر به في توحيد الله، ويتوصل به إلى إثبات الإسلام والتوحيد والنبوة، فلما عطل عقله عن هذه الوظيفة التي خلق من أجلها أساساً، فبالتالي صار مستوياً مع من لا عقل له من البهائم والجمادات ونحوها، فلذلك بعض الآيات تثبت له العقل وبعضها تنفيه، وكذلك السمع والبصر، يقول تعالى: {لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا} [الأعراف:179] يعني: عندهم قلوب لكنهم لا يستعملونها فيما خلقت من أجله وكذلك السمع والبصر.
وهذا الآية أيضاً تشير إلى أن الوصول إلى الحق لا يكون إلا عن طريق السمع أو العقل، (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ) السمع هو الآيات والآثار والروايات، والعقل هو الدليل الثاني.
قال الناصر: لو تفطن نبيه لهذه الآية لعدها دليلاً على تفضيل السمع على البصر، فإنه قد استدل على ذلك بأخفى منها.
وقال ابن السمعاني: استدل بها من قال بتحكيم العقل في موضعه.
وقال الزمخشري: قيل: إنما جمع بين السمع والعقل؛ لأن مدار التكليف على أدلة السمع والعقل.
قال تعالى: {فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك:11].
((فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ)) يعني فأقروا بجحدهم الحق، وتكذيبهم الرسل.
((فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ)) أي: بعداً لهم سواء اعترفوا أو أنكروا فإن ذلك لا ينفعهم، ولا يفيدهم شيئاً.
قوله تعالى: (فَسُحْقًا) هذا منصوب على المصدر، يعني: أسحقهم الله سحقاً، ومعناه باعدهم الله من رحمته مباعدة، والسحيق هو البعيد.