قال الله تعالى: ((تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ)) يعني: تكاد تتقطع من تغيظها عليهم، أو تكاد تتفرق أجزاؤها من الغيظ، على الذين أغضبوا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وللأسف الشديد أورد القاسمي هنا قول من ادعى المجاز في هذه الآية فقال: شبهت في شدة غليانها وقوة تأثيرها في أهلها بإنسان شديد الغيظ على غيره مبالغ في إيصال الضرر إليه، فتوهم لها صورة كصورة الحالة المحققة الوجدانية، وهي الغضب الباعث على ذلك، واستعير لتلك الحالة المتوهمة الغيظ، وأما ثبوت الغيظ الحقيقي لها بحيث يخلق الله فيها إدراكاً فبحث آخر، لكنه قد قيل هنا: إنه لا حاجة إلى ادعاء التجوز فيه.
أما استبعاد المجاز في قوله تعالى: (تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ) فنقول: إن كلمة (تكاد) من أفعال المقاربة، أي: أنها تقارب أنها تتقطع من شدة غيظها على الكافرين، فيمتنع هنا وجود المجاز، كما في قوله تعالى: {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ} [النور:35] وجوز بعضهم أن المراد بالغيظ غيظ الزبانية.
يقول العلامة الشنقيطي: النار لها حس وإدراك وإرادة، والقرآن أثبت للنار أنها تغتاظ وتبصر وتتكلم وتقصد المجيء، كما قال عز وجل: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} [ق:30]، وكما في الحديث: (تقول النار: يا رب! أكل بعضي بعضاً، فأذن لها بنفسين) فهذه حقيقة.
كذلك قوله: {إِذَا رَأَتْهُم مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا} [الفرقان:12]، وقال عز وجل هنا: ((تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا)) أي: كلما ألقي فيها جماعة من الكفرة، وليس المراد بالفوج عصاة الموحدين الذين يدخلون النار ولا يخلدون فيها؛ لأن سياق الآية واضح جداً أنها في الكفار كفر أكبر؛ لأن تكذيب الرسل لا يكون إلا من الكفار.
قوله: ((كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ)) جماعة من الكفرة.
قوله: ((سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا)) سؤال توبيخ، أي: في الدنيا ينذركم هذا العذاب.
واستدل بعضهم بهذه الآية على أنه لا تكليف قبل البعثة.