هنا سؤال وهو: إذا كان الجن من نار، كما في قوله تعالى: {وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} [الرحمن:15] فكيف تحرقهم النار؟
صلى الله عليه وسلم أن الله سبحانه وتعالى جعل أصل خلقتنا من الماء ومن التراب، لكن كون أصل الخلقة من شيء فإنه يختلف تماماً عن كينونة هذا الشيء وصيرورته فيما بعد، فنحن البشر بما أنا خلقنا من طين، فهل إذا ابتللنا بالماء نصير طيناً؟! لا يكون هذا، كذلك أصل خلق الجن من النار كما في قوله: (وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ)، لكن ما هي الصورة التي عليها الجن الآن؟ لا ندري: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف:27] فكون أصلهم من نار لا يستلزم أنهم الآن نار، وقد أجاب بعض العلماء عن هذه الشبهة بجواب آخر: أجاب عنها الفخر الرازي بقوله: إن النار يكون بعضها أقوى من بعض، فالأقوى يؤثر على الأضعف، ومما يشهد لما ذهب إليه قوله تعالى بعده: {وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ} [الملك:5] والسعير هو أشد النار وأقوى النار، ومعلوم أن النار طبقات بعضها أشد من بعض، وهذا أمر ملموس، فقد تكون الآلة مصنوعة من حديد وتسلط عليها آلة من حديد أيضاً أقوى منها فتكسرها، أو يسلط معدن على معدن آخر فيخدشه أو يؤثر فيه، وهذا ما يعرف بخاصية الصلادة، وكما قال العرب: لا يفل الحديد إلا الحديد.
إذاً: لا يمنع كون أصل الجني من نار ألا يتعذب بالنار، كما أن أصل الإنسان من طين من حمأ مسنون، ومن صلصال كالفخار، وبعد خلقه فإنه لا يحتمل التعذيب بالصلصال ولا بالفخار، فلو أحضرت إنساناً وأحضرت كمية كبيرة من الفخار والطوب الفخار وظللت تضربه أو ترجمه بهذه الأشياء فسوف تقتله، وقد يموت الإنسان بضربة بقطعة واحدة من الفخار، مع أنه خلق من الفخار، والعلم عند الله تعالى.