قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التغابن:14].
إن قعود الشيطان للإنسان يكون بوجهين: أحدهما: يكون بالوسوسة.
الثاني: أن يسلط على هذا الإنسان الزوجة أو الولد أو الصاحب.
إذاً: الشيطان قعد لابن آدم في طريق الإيمان، وقعد له في طريق الهجرة، وقعد له في طريق الجهاد، وقلنا: إما أن يوسوس مباشرة في قلب الإنسان، وإما أن يسلط عليه نواباً يوصلون هذه الرسائل المثبطة إلى قلبه، كالزوجة أو الولد، يقول تعالى: {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} [فصلت:25] وفي حكمة عيسى عليه السلام: (من اتخذ أهلاً ومالاً وولداً كان للدنيا عبداً).
وفي الحديث الصحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة -وهي كساء أسود مربع له أعلام وخطوط-، تعس عبد القطيفة -وهي بساط له أهداب-، تعس وانتكس -يعني: هلك وانتكس حيث عاوده المرض كما بدأ به، أو انقلب على رأسه، وهو دعاء عليه بالخيبة-، وإذا شيك -أي: إذا أصابته شوكة- فلا انتقش -أي: لم تخرج شوكته بالمنقاش-).
لا دناءة أعظم من عبادة الدينار والدرهم، ولا همة أخس من همة ترتفع بثوب جديد! يقول القرطبي: كما أن الرجل يكون له ولده وزوجه عدواً، كذلك المرأة يكون لها زوجها وولدها عدواً.
أي: أن المرأة قد تكون هي الضحية؛ لأن كلمة أزواجكم في قوله: ((إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ)) عامة يدخل فيها الذكر والأنثى.
قوله: ((فاحذروهم)) الحذر على النفس يكون بوجهين: إما لضرر في البدن، أو لضرر في الدين، وضرر البدن يتعلق بالدنيا، وضرر الدين يتعلق بالآخرة، فحذر الله سبحانه العبد بذلك وأنذره منه.
عن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ)) قال: (كان رجال أسلموا من مكة فأرادوا أن يأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم رأوا الناس قد فقهوا في الدين، فهموا أن يعاقبوهم، فأنزل الله عز وجل: ((وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ))).
وقال مجاهد في الآية: ما عادوهم في الدنيا، ولكن حملتهم مودتهم على أن أخذوا لهم الحرام فأعطوه إياهم.
والآية عامة في كل معصية يرتكبها الإنسان بسبب الأهل والولد، وخصوص السبب لا يمنع عموم الحكم.