قال الله عز وجل: {يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [التغابن:4] أي: أنه عالم الغيب والشهادة لا يخفى عليه شيء.
قوله: ((وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)) أي: يعلم خفايا الصدور وما تنطوي عليه.
وقوله: ((وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)) فيه تقرير لأول الآية وهي قوله: ((يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ))؛ لأنه إذا علم السرائر وخفايا الضمائر لن يخفى عليه خافية من جميع الكائنات.
قال الزمخشري: نبه بعلمه ما في السماوات والأرض، ثم بعلمه ما يسره العباد ويعلنونه، ثم بعلمه ذوات الصدور؛ أن شيئاً من الكليات والجزئيات غير خاف عليه ولا عازب عنه.
فالله سبحانه وتعالى لا يخفى عليه شيء على الإطلاق، ويعلم تفاصيل وجزئيات كل ما في الوجود.
ثم قال: فحقه أن يتقى ويحذر ولا يجترأ على شيء مما يخالف رضاه، وتكرير العلم في معنى تكرير الوعيد.
أي: فتكرار صفة العلم فيها نوع من تكرار الوعيد، وأنه سوف يحاسبكم على ما يعلمه منكم.
ثم قال: وكل ما ذكره بعد قوله تعالى: ((فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ)) كما ترى في معنى الوعيد على الكفر، وإنكار أن يعصى الخالق ولا تشكر نعمته.
فقوله: ((هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)) فيها وعيد بأنه سوف يجازيهم، كذلك قوله: ((خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ)) هذه نعمة الخلق وتقتضي الشكر، وبالتالي يعاقب من كفر، وقوله: ((يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)) هذه فيها معنى الوعيد.