والنبي عليه الصلاة والسلام هو دعوة إبراهيم؛ لأن إبراهيم دعا بقوله: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ} [البقرة:129] أي: من العرب الأميين، وجاء في الحديث أيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنا أمة أمية لا نقرأ ولا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا وهكذا) وهذا حكم على المجموع الغالب وليس حكماً على الجميع؛ لأنه كان يوجد في العرب من يكتب، فمنهم كتبة الوحي عمر وعلي ومعاوية وغيرهم رضي الله تعالى عنهم.
وفي قوله عليه الصلاة والسلام: (إنا أمة أمية لا نقرأ ولا نكتب ولا نحسب) فيه إشارة إلى أن هذه الشريعة تخاطب الناس بما هو معروف ومعهود عند الأميين؛ لأن هذه الشريعة لم تأت لأجل طبقة معينة من الناس.
فمثلاً: هناك قسم كبير من العبادات تعتمد على مراعاة أحوال السماء والكواكب والقمر والشمس إلى غير ذلك، كالصلاة والصيام، فيحتاج ضبط مواقيت العبادات إلى مراعاة هذه الأهلة والشمس ونحوها فيرشد النبي عليه الصلاة والسلام إلى أن هذه الأمة مخاطبة بما هو في معهود الأميين، الذين لا يتقنون علوم الفلك والرياضيات وعلوم الحساب ونحوها، وبالتالي فإن معرفة الشهر أمر سهل، فأشار بيده وقال: الشهر هكذا وهكذا) أي: أن الشهر ثلاثون يوماً أو تسعة وعشرون.
أما التوصل إلى ذلك عن طريق الحساب فهذا ليس مما هو معهود عند الأميين، فالشريعة كما تخاطب عالم الفلك والذي حضَّر الدكتوراه تخاطب البدوي الذي يعيش في الصحراء، فهذا يستطيع تحديد وقت الصلاة، وهذا أيضاً يستطيع تحديدها في غاية السهولة، وكذلك بداية الشهور والأهلة إلى آخره.
فقوله: (إنا أمه أمية) ليس معناه الفخر بالأمية، وإنما هو وصف للواقع، ولسهولة الشريعة وأنها لا تخاطب طائفة خاصة من العلماء.
والدليل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يحارب الأمية، أنه كان يجعل فكاك الأسير أن يتولى تعليم القراءة والكتابة لواحد من أبناء المسلمين، فالحث على العلم بكل وسائل العلم المختلفة النافعة المفيدة أمر معروف، لكن علينا أن نبذل فيه وقتاً وجهداً أكثر من هذا، فإن الإسلام هو دين العلم لا شك في ذلك، لأن العلم دائماً منحاز إلى الإسلام، ومؤيد لدين الإسلام.
قوله: ((هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ)) أي: من أنفسهم أمياً مثلهم.