فاليهود فيهم اللؤم والغدر والخسة والنذالة ونقض العهود، والناس يرون أخلاقهم عياناً الآن، ولا يبعد أن الغربيين جمعوهم في فلسطين كي يتخلصوا من شرهم، ومع ذلك لم يتخلصوا منهم، وقد خطب إبراهام لنكولن رئيس أمريكا السابق خطبة شديدة حذر فيها من اليهود، وقال: إن أمريكا في يوم من الأيام سوف يستعبدها اليهود إن تركتموهم ولم تلتفتوا إليهم.
وهذا هتلر أُثر عنه أنه قال: قتلت نصف اليهود، وتركت النصف الثاني؛ لتعرف البشرية لماذا قتلت النصف الأول.
لقد ابتلينا بعدو من نوع خاص، وهو من أصعب الأعداء؛ للؤمه وغدره وخسته، وما يحصل الآن مع الفلسطينيين يكشف هذه الخسة وهذه النذالة.
يقول الله لهم بعد ما رفع فوقهم الطور: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا} [البقرة:93] وانظر إلى الرد: {قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة:93].
فأخذ الميثاق عليهم، ورفع الطور فوقهم، وقوله لهم: (خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا) هذا كله يساوي قول موسى عليه السلام: (وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ)؛ لأن (قد) هنا للتحقيق كقوله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} [البقرة:144]، ومع ذلك يؤذونه بقولهم: (سمعنا وعصينا).
وقد كانوا يخاطبون نبيهم باسمه: يا موسى! كذا وكذا، وقالوا له أيضاً: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة:24]، فقد آذوا سيدنا موسى عليه السلام إيذاء عجيباًً، وآذوه عندما أشربوا في قلوبهم حب العجل وعبادته بكفرهم، قال الله عنهم: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا موسى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً} [النساء:153]، وهذه مواساة للرسول صلى الله عليه وسلم، أي: لست أنت أول من يؤذى، فهذا نبيهم قد أوذي منهم.
إذاً: الإيذاء المنصوص عليه هنا في سورة الصف: ((يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ))، هو في خصوص الرسالة، ولا مانع من أنهم آذوه بأنواع من الإيذاء في شخصه، كما في آية الأحزاب، وعاقبهم على إيذائه بما أرسل به إليهم لغيظ قلوبهم.