إن السلوك السيئ لبعض المسلمين قد يكون فتنة للذين كفروا، فتخيل مثلاً بعض الملوك أو الرؤساء الكفرة حينما يتعاملون مع عيّنة من الناس في حلبة السياسة، ويرونهم يبيعون أوطانهم، ويخونون شعوبهم، ومع ذلك ينتسبون للإسلام، فهل سيرغب هؤلاء في الإسلام؟!! وقد سبق أن تكلمنا في تفسير سورة النحل، عند قوله تبارك وتعالى: {وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [النحل:94] إلى آخر الآية، أن قوله: ((وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ)) يعني: لا تخادعوا الناس، وتستغلوا اسم الله والحلف به، فتقول: والله العظيم هذا الشيء ما كسبت فيه كذا، ووالله سأكون خاسراً في البيعة الفلانية، أو يعقد عقداً ويغش ويخدع، والرجل يصدقه؛ لأنه حلف، ثم يكتشف بعد ذلك أنه ما انخدع إلا بسبب تصديقه له لما حلف، ويترتب على فعل ذلك أمران خطيران: الأول: أنكم بعد أن كنتم توصفون بالاستقامة سوف توصفون بالفسق والخروج عن طاعة الله: ((فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا)) أي: إذا انحرفتم عن الاستقامة وخادعتم الناس بالأيمان الكاذبة فحينئذ ستزل قدم بعد ثبوتها.
الثانية: {وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ} يعني: أن هذا السلوك يترتب عليه فتنة الناس عن الدخول في الدين؛ لأنهم يقولون: لو كان ما هم عليه حقاً لزجرهم عن الغش، ولزجرهم قرآنهم عن الحلف بالله وهم كاذبون.
فإذاً: هذا الأمر ليس أمراً سهلاً، بل فيه عذاب وفيه عقاب، فالسلوك الذي يترتب عليه فتنة الكفار عن الدخول في الدين تشويه لجمال الإسلام، وصد عن سبيل الله، فعلى فاعل ذلك إثم كبير، ووزر عظيم، ولذلك قال تعالى: {وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} فهذا لفت إلى خطورة أن نكون نحن فتنة للكفار بأن ننفرهم من الدين بسبب سوء سلوكنا.
فهناك بلاد عظيمة جداً وتعدُّ أكبر بلاد العالم الإسلامي من حيث عدد السكان وهي إندونيسيا، وهي في شرق آسيا، وكل هذه المناطق دخل الملايين من أهلها في دين الله عز وجل، ولم تفتح بالسيوف ولا بالجهاد، بل فتحت عن طريق تجّار كانوا يخرجون للتجارة، وقد كانوا دعاة يتقمصون زي التجار، فكانوا يخرجون ويتعاملون مع هذه الشعوب معاملة حسنة، فكان أبناء تلك الشعوب ينبهرون جداً بخلق المسلمين، وبأمانة المسلمين، وبتقواهم لله سبحانه وتعالى، فكل هذه البلاد إنما فتحت بالأسوة الحسنة فقط، فلم تُفتح بسيف ولا بجهاد.
وهذا الكلام قاله أناس ليسوا من المسلمين كصاحب كتاب: (دعوة الإسلام) واسمه أرنلد كونجي، وهو بريطاني له باع كبير جداً في معرفة حقائق الدعوة الإسلامية، فكان مما قاله هذه العبارة: إن هؤلاء كانوا دعاة في زي تجار، وهم الذين فتحوا هذه البلاد بالدعوة فقط، ولم يرفعوا السيوف أمامهم قط!