يقول الله سبحانه وتعالى تعجباً من اغترار اليهود بما وعدهم المنافقون به من النصر، مع علم اليهود أن هؤلاء المنافقين لا يعتقدون ديناً ولا كتاباً، فكيف صدقوهم واغتروا بهم؟! فقال تعالى: {أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} [الحشر:11] وهم بنو النضير المتقدم ذكرهم، وأخوتهم معهم ليست أخوة نسب، وإنما هي أخوة دين واعتقاد، أو أخوة صداقة وموالاة؛ لأنهم كانوا معهم سراً على المؤمنين، فانظر كيف وصف هؤلاء المنافقين بأنهم إخوان لليهود أهل الكتاب! هذا خبر من الله سبحانه تعالى الصادق أن هؤلاء الكفار جميعهم على المؤمنين، وأنهم: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة:217] فقوله: (ولا يزالون) تفيد الاستمرار، والعالم كله يشاهد انحياز الشيطان الأكبر أمريكا إلى جانب اليهود لعنهم الله سبحانه وتعالى وأذلهم، فرغم كل هذا الظلم ترى التكاتف العجيب الغريب من هؤلاء الكفار مع إخوانهم الذين كفروا.
فاليوم هناك مظاهرة يهودية في نيويورك يقوم بها جماعات يهودية تساند عصابة اليهود، وتتزعم وتشترك في هذه المظاهرة زوجة كلينتون؛ لأنها رشحت نفسها لعمدة مدينة نيويورك، فتخرج لتؤيد اليهود مع كل جرائمهم التي أجمع كل العقلاء من البشر أنها عدوان وحشي، وليس هذا فحسب، بل حصل اليوم في رام الله أن قتل الفلسطينيون جاسوسين مجرمين دخلا متنكرين، فانهالت عبارات الاحتجاج، وحصل القصف بالطائرات والصواريخ للمدينة، وقصفوهم أيضاً من البحر، وقصفوا مدينة غزة أيضاً، فالدمار شامل للمدينتين، وهو في مدينة غزة بالذات، ويقول اليهود: إن ما فعله هؤلاء الفلسطينيون بالجنديين الإسرائيليين هو منتهى الوحشية، وهذه أشياء لا تفعلها حتى الحيوانات، وأنه لا مكان لهذه التصرفات في العالم المتحضر، فنقول: نحن الآن صرنا وحوشاً! وصرنا نفعل فعل الحيوانات! وأنه لا مكان لهذه التصرفات في العالم المتحضر! فماذا تقولون فيما حصل مع الطفل رامي أو محمد بن الدرة وأبيه، وفيما حصل بالأمس في تل أبيب، فقد تجمع اليهود على ثمانية من العرب وضربوهم ضرباً مبرحاً، وكلهم موجودون حتى الآن في العناية المركزة، وحصل قبل يومين أن ما يسمى بالمستوطنين أخذوا رجلاً وعذبوه بالإحراق والضرب، حتى أحرقوا عينيه وكل جسده بالسجائر، حتى قتلوه ثم ألقوه، أليست هذه وحشية من اليهود أم أنها شيء جائز عندهم؟! وأما إذا صدر رد فعل من المسلمين فهذه وحشية وهمجية، وهذا يذكرنا تماماً بنفس منطق بعض المستعمرين الأوروبيين في إحدى الدول الإسلامية، فقد كانت مجموعة منهم تحاول قتل أو ذبح مسلم، فبعدما فرغوا من ذبحه وتقطيع جثته التفت واحد منهم إلى من حوله وقال: هؤلاء أناس متوحشون، لماذا متوحشون؟ لأنه وهو يحاول أن يذبحه عض يده!! فهكذا حضارة الغرب المجرمة، تتمسح بالكلاب، والكلاب هناك تعظم وتوقر، وتوهب لها الهبات، وتعيش حياة في غاية الترف، فهذه هي الحضارة الغربية، وقد بدت كل سوءاتها، حتى لم يعد شيء يرغِّب فيها.
فنحن بلا شك في وضع مؤلم، خاصة وأننا منذ هذه المعاهدات ونحن في ذلّ، ونحارَب بكل الصور: في عقيدتنا، وفي أخلاقنا، وفي كل شيء، وأما اليهود فقد حوّلوا أماكنهم إلى ترسانة من الأسلحة النووية والذرية ونحو ذلك، ومع ذلك فنحن على ثقة بوعد الله سبحانه وتعالى؛ لأن الهزيمة ليست حالة عسكرية، وإنما هي حالة نفسية، فالله سبحانه وتعالى قد تكفل بأنه يبعث على اليهود من يسومهم سوء العذاب، وهذا الضمان إلهي: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} [الأعراف:167]، فاليهود لن يستريحوا أبداً، ولن يذوقوا طعم الراحة حتى ولو قامت لهم دولة، ورُفع فوق رءوسهم علم، فهذه آية من آيات الله، فإنهم مع ما هم فيه من العتاد العسكري، والقوة العسكرية الشديدة إلا أنهم في حالة ضعف وخور وجبن وهلَع كما هو معلوم، فهذه سنة ماضية من الله سبحانه وتعالى، ولن ينعم اليهود أبداً بهذا السلام الذين يزعمون أو يتطلعون إليه، وعزاؤنا في ما يلقاه إخواننا الآن في فلسطين هو ما فعله المشركون بالصحابة من قبل في غزوة أحد حينما قالوا للمشركين: (قتلانا في الجنة، وقتلاكم في النار)، فمن يقتل من المسلمين فهو إلى الجنة بإذن الله، وقتلاهم في النار، ونقول لهم أيضاً: الله مولانا ولا مولى لكم، فهم يحتمون وراء أمريكا، ووراء الغرب الكافر الظالم، وينبغي لنا أن نأوي إلى الله سبحانه وتعالى، وأن نعتصم بحبله من شر هؤلاء أجمعين.
فقول الله تعالى هنا: {أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} [الحشر:11] وهم بنو النضير، وأخوتهم معهم أخوة دين واعتقاد، أو أخوة صداقة وموالاة، فقد كانوا معهم سراً على المؤمنين.
قوله: ((لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ)) أي: من دياركم، ((لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا)) لا نطيع في خذلانكم أحداً أبداً، يعني: سواء الرسول صلى الله عليه وسلم أو المؤمنين، ((وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ)) أي: لنعاونّنكم.
قال ابن جرير: ذُكر أن الذين نافقوا هم: عبد الله بن أبي بن سلول ووديعة ومالك ابنا نوفل وسويد وداعس، فقد بعثوا إلى بني النضير حين نزل بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم للحرب: أن اثبتوا وتمنعوا فإنّا لن نسلمكم، وإن قوتلتم قاتلنا معكم، وإن أخرجتم خرجنا معكم، فتربصوا لذلك من نصرهم -أي: ترقبوا أن يأتوا لينصروهم ضد الرسول عليه الصلاة والسلام- فلم يفعلوا، وقذف الله في قلوبهم الرعب، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن يجليهم، ويكف عن دمائهم، على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا الحلقة، وهي السلاح كما تقدم بيان ذلك.