قال تعالى: {أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المجادلة:13].
هذا الاستفهام معناه التقريع، يعني: أخفتم من تقديم الصدقات الفاقة والفقر؟ وهذا توبيخ بأن مثله لا ينبغي أن يشفق منه، فمثل هذا التقديم، وهو تقديم الصدقة والإحسان إلى الفقراء، ليس مما يشفق الإنسان منه، للزوم الخلف للإنفاق لزوم الظل للساقط بوعد الله الصدق.
وهذه هي سنة الله الجارية: أن كل من أنفق يخلف الله عليه، وهذه الدعوة التي يدعوها الملكان في كل صباح: (اللهم أعط منفقاً خلفاً، اللهم أعط ممسكاً تلفاً).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاث أحرص عليهن: منها: ما نقص مال من صدقة).
بما أن الإخلاف يلازم الإنفاق لزوم الظل للساقط فالنفقة في سبيل الله والصدقة لا ينبغي أن يشفق منها الإنسان، فالإنسان قد يشفق ويخشى الفاقة والفقر إذا أنفق؛ ولكن الله سبحانه وتعالى ضمن للمنفق أن يخلف عليه، وضمن له الثواب الجزيل، والفضائل الكثيرة المعروفة في ثواب الصدقة، فهل مثل هذا يشفق الإنسان منه؟ ((فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا))، يعني: إذ لم تفعلوا ما ندبتم إليه من تقديم الصدقة، وشق ذلك عليكم، ((وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ))، بأن رخص لكم ألا تفعلوا ذلك رفعاً للحرج عنكم ((فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ))، يعني: فلا تفرطوا في الصلاة والزكاة وسائر الطاعات؛ فإن ذلك يكسبكم ملكة الخير والفضيلة.
((وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ))، فيجزيكم بحسبه.
وقوله تعالى: ((إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ)) إلى آخر الآية، منسوخة بالتي بعدها، وفيه دليل على جواز النسخ بلا بدل خلافاً لمن أبى ذلك، وقد كانت تكاد تتفق كلمة المفسرين على أن هذه الآية نسخت بالتي بعدها، ولا يشترط أن يكون المقصود بالنسخ نسخ الحكم ورفعه بالكلية، فهذا أحد معاني النسخ.