ربط صفة الاستواء والمعية بالعلم

قوله تعالى: {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} [الحديد:4] يدل على أن صفة الاستواء تربط بصفة العلم؛ حتى يندفع ما قد يتطرق إلى أذهان بعض الناس من أن الآيات تدل على معية الله سبحانه وتعالى بذاته لخلقه، خاصة المعية العامة فقوله تعالى: {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} [سبأ:2] يعني: أنه مستوٍ على العرش استواءً يليق بجلاله، ولا يشبه بذلك شيئاً من المخلوقات ومع استوائه على العرش إلا أنه قريب من خلقه فهو معهم بالعلم والسمع والبصر.

قوله: (وهو معكم أينما كنتم) ليس معناه أن الله معنا، بمعنى أنه يحل داخل مخلوقاته والعياذ بالله؟ فحاشا وكلا! ومعاذ الله! فالله سبحانه وتعالى -بإجماع السلف- بائن من خلقه لا يكون داخل المخلوقات، ولذلك أتبع ذكر الاستواء على العرش بقوله: ((يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ)) يعني: ما يدخل في الأرض من خلقه، والذي يلج داخل الأرض هو الأموات، والبذور، والحيوانات، ((وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا))، كالزروع، ((وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ))، كالأمطار والثلوج والبرد والأقدار والأحكام الإلهية، ((وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا)) أي: من الملائكة والأعمال وغيرها.

وقد نبهنا مراراً إلى أن التعبير بالفضاء غير صحيح، فليس هناك فضاء، بل هو مليء، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما في السماء موضع أربعة أصابع إلا وفيه ملك يسجد لله سبحانه وتعالى ويسبحه).

ولكن نستعمل هذا التعبير تجوزاً، أعني: ما يسمى بالفضاء.

ومن الحقائق العلمية المعروفة الآن أنه لا يوجد خط مستقيم في الفضاء، ولذلك تجد القرآن يستعمل في ذلك عبارة العروج؛ لأنه لا يوجد خط مستقيم، والدارسون في الهندسة يعرفون ذلك جيداً، فدائماً يعبر عن المشي في الفضاء أو السريان فيه بالعروج كما قال هنا: ((وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا)) أي: من الملائكة والأعمال وغيرها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015