ثم يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى مبيناً أن هذه الأسماء الأربعة: الأول، والآخر، والظاهر، والباطن، مدارها على الإحاطة الزمانية والإحاطة المكانية، يقول: فمدار هذه الأسماء الأربعة على الإحاطة، وهي إحاطتان: زمانية ومكانية، فأحاطت أوليته وآخريته بالقبل والبعد، فكل سابق انتهى إلى أوليته، وكل آخر انتهى إلى آخريته، فأحاطت أوليته وآخريته بالأوائل والأواخر، فهو الأول، يعني أنه قبل كل شيء، وهو الآخر بمعنى أنه بعد كل شيء بالإحاطة الزمانية.
وأحاطت ظاهريته وباطنيته بكل ظاهر وباطن، فما من ظاهر إلا والله فوقه، وأي شيء عالٍ فالله سبحانه وتعالى أعلى منه، حتى الجنة التي هي أعلى المخلوقات فإن عرش الله سبحانه وتعالى فوق سقف الجنة، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إذا سألتم الله سبحانه وتعالى فاسألوه الفردوس؛ فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوق سقفه عرش الرحمن).
وهذا يدل على أن الجنة كروية؛ لأنه ذكر فيها الوسط والأعلى، وهذا معناه أنها كروية، والله تعالى أعلم.
يقول ابن القيم: فما من ظاهر إلا والله فوقه، وما من باطن إلا والله دونه، وما من أول إلا والله قبله، وما من آخر إلا والله بعده، فالأول قدمه، والآخر دوامه وبقاؤه، والظاهر علوه وعظمته، والباطن قربه ودنوه، فسبق كل شيء بأوليته، وبقي بعد كل شيء بآخريته، وعلا كل شيء بظهوره، ودنا من كل شيء ببطونه، فلا تواري منه سماء سماءً، ولا أرض أرضاً، ولا يحجب عنه ظاهر باطناً، بل الباطن له ظاهر، والغيب عنده شهادة، والبعيد منه قريب، والسر عنده علانية.
فهذه الأسماء الأربعة تشتمل على أركان التوحيد: فهو الأول في آخريته، والآخر في أوليته، والظاهر في بطونه، والباطن في ظهوره، لم يزل أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً.