قال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} [الواقعة:10 - 11].
قال القاسمي: أي: الذين سبقوا إلى الإيمان والطاعة بعد ظهور الحق، وأوذوا لأجله، وصبروا على ما أصابهم، وكانوا الدعاة إليه.
فإن قيل: لم خولف بين المذكورين في السابقين وفي أصحاب اليمين، مع أن كل واحد منهما إنما أريد به التعظيم لحال المذكورين؟ أي: لماذا (السابقون) كررها فقط ولم يقل: ما السابقون.
مثلاً؟ فنقول: التعظيم المؤدى بقوله: ((السَّابِقُونَ)) أبلغ من قرينه، أي: من التعظيم في قوله: {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ}، وذلك أن مؤدي هذا هو أن أمر السابقين وعظمة شأنهم لا يكاد يخفى.
وأما قوله: {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} فإنه تعظيم على السامع بما ليس عنده منه علم سابق، ألا ترى كيف سبق وصف حال السابقين بقوله: {أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} [الواقعة:11]، فأشار إليهم باسم الإشارة الذي يشار به إلى شيء معروف، إذ اسم الإشارة معرفة، فهو إشارة إلى أنهم من المعروفين.
ثم انظر إلى كلمة (الْمُقَرَّبُونَ)، فقد أشار إليهم بإشارة المعروف، وأيضاً جمع إلى ذلك الإخبار عن هؤلاء بقوله: ((الْمُقَرَّبُونَ)) معرفاً بالألف واللام العهدية، وليس مثل هذا مذكوراً في وصف حال أصحاب اليمين.
وقوله: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ) الثاني إما خبر، يعني: السابقون هم الذين عرفت حالهم واشتهرت أوصافهم.
على حد قول الشاعر: شعري شعري.
أو أنها تأكيد وإذا قلنا: إن التكرار للتأكيد فالخبر هو قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} أي: الذين يقربهم الله منه بإعلاء منازلهم.
(فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ).