قال تعالى: {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُوْلَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ * أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ * سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ * بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} [القمر:43 - 46].
((أَكُفَّارُكُمْ)): هذا استفهام إنكاري معناه: إن كفاركم يا قريش ليسوا بأقوى من قوم نوح وعاد وثمود، وقد أهلكناهم.
((خَيْرٌ)): أشد وأقوى ((مِنْ أُوْلَئِكُمْ)) الكفار المعدودين الذين حلت بهم النقمة حتى يأمنوا جانبها! ((أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ)) يعني: في الكتب المتقدمة، أي: هل معكم براءة من أن يصيبكم ما أصابهم من عقاب الله تبارك وتعالى؟ هل عندكم أمان من الله، مع أنكم على شاكلة من مضى نبؤهم؟ فأنتم أنتم تفعلون أفعالهم، فلا تنتظروا إلا جزاءهم، فإنكم على شاكلتهم، وهم كانوا أقوى منكم، ومع ذلك أهلكهم الله! {أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ} يعني: بل أيقولون: نحن يد واحدة على من خالفنا فننتصر منهم؟ فمعنى قوله: {مُنْتَصِرٌ} ممتنع حصين لا يرام.
أو منتصر ممن أراد حربنا وتفريق كلمتنا.
أو: متناصر، ينصر بعضنا بعضاً.
فالافتعال بمعنى التفاعل، والاختصام بمعنى التخاصم وإفراد (منتصر) مراعاة للفظ (جميع)؛ لأن لفظة (جميع) هي على لفظ واحد، وإن كانت اسماً لجماعة؛ فهذا لأجل خفة الإفراد ولرعاية الفاصلة.
((سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ)) يعني: جمع كفار قريش ((وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ)) أي: يولون أدبارهم المؤمنين بالله عند نزالهم.
وإفراد (الدبر) لإرادة الجنس، كما تقول: إن فلاناً لكثير الدينار والدرهم، ولرعاية الفواصل ومشاكلة قرائنه.
وقد وقع ذلك يوم بدر، وهذا من دلائل النبوة؛ لأن هذه الآية مكية، ففيها إخبار عن الغيب، وهو من معجزات القرآن الكريم، {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}، وهذا ما حصل في غزوة بدر.
{بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} يقول ابن جرير: ما الأمر كما يزعم هؤلاء المشركون من أنهم لا يبعثون بعد مماتهم، ((بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ)) للبعث والعقاب ((وَالسَّاعَةُ أَدْهَى))، أي: أعظم داهية، والداهية هي الأمر المنكر الذي لا يُهتدى لدوائه، ((وَأَمَرُّ)) يعني: أمر مذاقاً من القتل والأسر.
أو أشد عليهم من الهزيمة التي سيهزمونها إذا التقوا مع المؤمنين للقتال.