قال الله تبارك وتعالى: {كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ * إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحَاً صَرْصَرَاً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ * تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ * فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ * وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)) [القمر:18 - 22].
((كَذَّبَتْ عَادٌ))، أي: نبيهم هوداً عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام بمثل ما كذبت به قوم نوح، ((فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ)).
((إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحَاً صَرْصَرَاً))، أي: شديدة الهبوب لها صرير ((فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ))، أي: شر وشؤم عليهم.
جاء في بعض الكتب: أن هذا الوقت كان يوم أربعاء في آخر الشهر، ولا يصح في هذا شيء؛ لأن التشاؤم معتقد جاهلي بغيض، وبعض الناس تدعي أن في يوم الأربعاء ساعة نحس والعياذ بالله، فيتشاءمون من هذا اليوم أو من ساعة معينة في هذا اليوم، وإن كان رُوي في بعض الأحاديث: (أن النبي عليه الصلاة والسلام دعا على الكفار ثلاثة أيام، دعا يوم الإثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء، فاستُجيب له يوم الأربعاء فيما بين الصلاتين) يعني: بين الظهر والعصر، وهو من حديث جابر بن عبد الله، ويزعمون أن هذا وقت نحس، وحتى لو صح هذا فيطلق على أنه نحس على الكفار.
وقد ذكر بعض المفسرين كـ القرطبي رحمه الله تعالى: أن من أوقات إجابة الدعاء خاصة دعاء المظلوم على الظالم يوم الأربعاء بين الظهر والعصر، فيدعو عليه، فإن لم يسبق رجعة -يعني: الظالم لم يتب- قبل حلول هذا الوقت؛ فلا بد أن يصيبه عذاب.
فعلى أي الأحوال هذا لم يرد في حديث مرفوع صحيح إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيما نعلمه، والله تعالى أعلم.
والشيطان يسول للناس أمثال هذه المعتقدات التي لا تثبت، وهذا مِن تلاعبه بهم، كما فعلوا ما هو أشنع من ذلك حينما زعم الجهلة الحمقى أن في يوم الجمعة ساعة نحس! كيف يكون هذا في اليوم المبارك العظيم الذي هو العيد الأسبوعي للمسلمين، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن فيه ساعة إجابة وليست ساعة نحس، على خلافٍ في تحديد هذه الساعة؛ هل هي متنقلة؟ وإن كان أقرب الأوقات أنها آخر ساعة بعد العصر، والله تعالى أعلم.
على أي الأحوال حتى لو فرضنا ورود حديث، وصح أن الرسول عليه الصلاة والسلام دعا عليهم يوم الأربعاء ما بين الصلاتين فأنزل الله العذاب بهم أو هزم هؤلاء الكفار، فإنه لا يُحمل على أن المسلمين يتشاءمون، لأن المسلم لا يتطير أبداً ولا يتشاءم، فإن هذا من العقائد الجاهلية البغيضة، لكن لو صح ذلك فنقول: إنه نحس على الفجار وعلى المفسدين، لا على الصالحين، وهذا اليوم الذي يصفه الله بقوله: ((فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ))، هل أصاب هذا الشر وهذا الشؤم هوداً عليه السلام والمؤمنين معه؟ لا.
إنما كان نحساً على من أرسل عليهم العذاب، وهو لا شك حقيق أن يكون نحساً عليهم لكفرهم واستحقاقهم غضب الله وعقابه.
((مُسْتَمِرٍّ)) أي: دائم الشؤم، فاستمر عليهم ودام حتى أهلكهم، هذا إذا قلنا: ((مُسْتَمِرٍّ)) بمعنى: دائم الشر أو الشؤم.
هناك تفسير آخر لقوله: ((مُسْتَمِرٍّ)) أنه من المرارة، فهو يوم مرير شديد المرارة؛ لعظم البلاء والنكال الذي وقع بهم في هذا اليوم.
((تَنزِعُ النَّاسَ)) أي: هذه الريح الصرصر تقلعهم عن أماكنهم، ((كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ))، أي: فتتركهم كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ؛ لأن هذه الريح تنزع الناس فترفعهم ثم تقلبهم على رءوسهم، ثم تدكهم في الأرض فتنكسر أعناقهم، فيصبحون كأعجاز النخل التي لا رأس لها لما انكسرت رءوسها، فيُلقَون في الأرض بهذه الهيئة وهذه الصورة، ((كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ)) أي: أصول نخل منخلع عن مغارسه.
وأصل (منقعر) ما أُخرج من القعر، فنلاحظ هنا أن الله سبحانه وتعالى شبههم بالنخل؛ لأنهم كانوا طوالاً، وهذا معروف عن قوم عاد، حتى ذكر بعض المفسرين أن الواحد منهم كان طوله اثني عشر ذراعاً، أي حوالي ستة أمتار، والله أعلم.
فلعل هذه مناسبة تشبيههم بالنخل.
((فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ))، كرره للتهويل وللتنبيه على فرط عتوهم، أي: فكيف كان عذابي لقومه وإنذاري لهم على لسانه.
((وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)).