قال تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى} [النجم:19 - 20].
سبق تفسير قول الله تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم:13 - 18].
ثم قال تبارك وتعالى منكراً على المشركين عبادتهم الأوثان واتخاذهم لها البيوت مضاهاةً للكعبة التي بناها خليل الرحمن لعبادته تعالى وحده لا شريك له: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى} [النجم:19 - 20].
قال ابن كثير: اللات صخرة بيضاء منقوشة، وعليها بيت في الطائف له أستار وسدنة -يعني خادماً- وحوله فناء معظم عند أهل الطائف وهم ثقيف ومن تابعها، يفتخرون بها -أي: باللات- على من عداهم من أحياء العرب بعد قريش.
قال ابن جرير: وكانوا قد اشتقوا اسمها من اسم الله تبارك وتعالى فقالوا: اللات، يعنون مؤنثة من لفظه تعالى، تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً.
أي: زعم المشركون أن اللات -والعياذ بالله- مؤنث لفظة الجلالة (الله)، فهذا من افترائهم الذي نسبوه إلى الله سبحانه وتعالى، كما قالوا: عمرو وعمرة، فكذلك قالوا: الله، فزعموا أن اسم اللات مؤنث لفظ الجلالة.
وقال الزمخشري: هي فعلة من لوى؛ لأنهم كانوا يلوون عليها ويعكفون بالعبادة أو يلتوون عليها، يعني: يطوفون بها.
وحكي عن ابن عباس ومجاهد والربيع بن أنس أنهم قرءوا: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَّ وَالْعُزَّى} [النجم:20]-بتشديد التاء- وفسروه بأنه كان رجلاً يلتُّ للحجيج في الجاهلية السويق، يعني: يعد للحجاج هذا الطعام ويقدمه لهم، والسويق طعام يتخذ من مدقوق الحنطة والشعير، سمي سويقاً لانسياقه في الحلق، ويقال: لتَّ السويق، يعني: خلطه بسمن وغيره، ويقال: لتَّ العجين، يعني: بلَّه بشيء من الماء، ومن كلام العرب: فلان يلُتُّ ويعجن، يعني: إذا كان ثرثاراً يبدئ ويعيد فيما يقول.
فإذاً: من قرأ (اللَّاتَّ) بتشديد التاء فسره بأنه كان رجلاً يلت للحجيج في الجاهلية السويق، فلما مات عكفوا على قبره وعبدوه.
وَالْعُزَّى: هي شجرة عليها بناء وأستار بنخلة، وهي بين مكة والطائف.
قال ابن جرير: اشتقوا اسمها من اسمه تعالى: العزيز.
وقال الزمخشري: أصلها تأنيث الأعز.
وقوله تعالى: {وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى} هي: صخرة كانت بالمشلل عند قديد بين مكة والمدينة، وكانت خزاعة والأوس والخزرج في جاهليتها يعظمونها، ويهلون منها للحج إلى الكعبة، روى البخاري عن عائشة رضي الله تعالى عنها نحوه.
وقال ابن جرير: وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب من أهل البصرة يقول: اللات والعزة ومناة الثالثة أصنام من حجارة كانت في جوف الكعبة يعبدونها.
وقال ابن كثير رحمه الله تعالى: كانت بجزيرة العرب وغيرها طواغيت أخر، تعظمها العرب كتعظيم الكعبة غير هذه الثلاثة التي نص الله عليها في كتابه العزيز؛ وإنما أفرد هذه بالذكر لأنها أكثر من غيرها.
وقال ابن إسحاق في السيرة: وقد كانت العرب اتخذت مع الكعبة طواغيت، وهي بيوت تعظمها كتعظيم الكعبة، لها سدنة وحجَّاب، ويُهدى لها كما يُهدى للكعبة، وتطوف بها -أي: العرب- كطوافها بالكعبة، وتنحر عندها، وهي تعرف فضل الكعبة عليها؛ لأنها عرفت أنها بيت إبراهيم عليه السلام ومسجده، فكانت لقريش ولبني كنانة العزى بنخلة، وكانت سدنتها وحجَّابها من بني شيبان من سليم حلفاء بني هاشم، وبعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم خالداً وأمره بهدم العزى فهدمها رضي الله تعالى عنه، وجعل يقول: يا عزى كفرانكِ لا سبحانكِ إني رأيت الله قد أهانكِ وروى النسائي عن أبي الطفيل قال: (لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة بعث خالد بن الوليد إلى نخلة، وكانت بها العزى، فأتاها خالد وكانت على ثلاث سَمُرات -شجر السَّمُر المعروف- فقطع السَّمُرات، وهدم البيت الذي كان مبنياً عليها، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: ارجع فإنك لم تصنع شيئاً، فرجع خالد فلما أبصرته السندة -وهم حجبتها- أمعنوا في الحيل، وهم يقولون: يا عزى! -أي: يستغيثون بها كي تنقذ نفسها من أن يحطمها خالد أو يقتلها- فأتاها خالد فإذا امرأة عريانة ناشرة شعرها تحثو التراب على رأسها، فغمسها بالسيف حتى قتلها، ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: تلك العزى).
فإن صح هذا فإنه يبين أن من الشياطين من يكون في هذه التماثيل وهذه المعبودات من دون الله سبحانه وتعالى، وقد يتكلم بكلام أو يفعل أشياء ليزيد فتنة الذين يعبدون هذه الأصنام، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.
ولذلك كان من الشعر الذي قيل في هذا الموقف: قول بعض السدنة لها: أعزى إن لم تقتلي المرء خالداً فموتي بإثم عاجل أو تنصري فأقبل خالد وجعل يهدمها وهو يقول: يا عزى كفرانكِ لا سبحانكِ إني رأيت الله قد أهانكِ قال ابن إسحاق: وكانت اللات لثقيف بالطائف، وكان سدنتها وحجَّابها بني معتب، وقد بعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم المغيرة بن شعبة وأبا سفيان صخر بن حرب فهدماها، وجعلا مكانها مسجداً بالطائف.
وقال ابن إسحاق: وكانت مناة للأوس والخزرج ومن دان بدينهم من أهل يثرب على ساحل البحر من ناحية المشلل بقديد، فبعث إليها النبي صلى الله عليه وسلم أبا سفيان صخر بن حرب فهدمها، ويقال: علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه.