أما قول الله تبارك وتعالى هنا: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ} [النجم:5 - 6] أي: جميل المنظر حسن الصورة ذو جلالة، ليس شيطاناً، فهذا تعديل لسند الوحي والنبوة وتزكية له، كما تقدم نظيره في سورة التكوير، فوصفه بالعلم والقوة وجمال المنظر وجلاله، وهذه كانت أوصاف الرسول البشري والملكي، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشجع الناس وأعلمهم وأجملهم وأجلهم، كما أن هذه منزلة جبريل في أهل السماوات، فكذلك فيها إشارة -كما قال ابن القيم - إلى أن النبي عليه الصلاة والسلام سوف يصير رسولاً نبياً مطاعاً في أهل الأرض، ويعلو دينه على كل الأديان، وكما كانت هذه أوصاف الرسول الملكي كذلك كانت أوصاف الرسول البشري صلى الله عليه وآله وسلم، فقد كان النبي عليه الصلاة والسلام شديد القوة؛ حتى إن رجلاً مصارعاً أبى أن يسلم إلا أن يصارع النبي صلى الله عليه وسلم، فإن غلبه فهو رسول الله حقاً، فصارعه النبي صلى الله عليه وسلم فصرعه وغلبه فأسلم، وكان الصحابة يقولون (كنا إذا حمي الوطيس واشتد البأس اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه)، أي: كانوا يختبئون خلفه، ويجعلونه هو الدرع والترس في مواجهة الأعداء وهم وراءه، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان أشجع الناس وأعلمهم وأجملهم وأجلهم، وكل هذه الصفات لو تكلمنا على كل صفة على حدة لطال الكلام جداً، فالرسول عليه الصلاة والسلام جمع كل ما يمكن من أوصاف الكمال البشري، كما قال الشاعر: فغاية القول فيه أنه بشر وأنه خير خلق الله كلهمُ وقوله تعالى: ((ذُو مِرَّةٍ))، أي: مكانة وإحكام في علمه، لا يمكن تغيره ونسيانه، والعرب تقول لكل قوي العقل والرأي: ذا مرة، من أمررت الحبل يعني: إذا أحكمت فتله.