قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحجرات:15].
ذكر الأموال لحرص الإنسان عليها، فإن ماله شقيق روحه، ومعنى قوله: ((وَجَاهَدُوا))، أي: بذلوا الجهد، فجاهدوا العدو أو النفس والهوى.
(أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)، أي: الذين صدقوا في ادعاء الإيمان؛ لظهور أثر الصدق على جوارحهم، وتصديق أفعالهم وأقوالهم.
وفيه تعريض بكذب أولئك الأعراب في ادعائهم الإيمان وإفادة للقطع، أي: هم الصادقون لا أولئك، فإيمانهم إيمان صدق وبر.
وفي الآية دليل على أن الأعمال من الإيمان، وهذا مما لا خلاف فيه بين السلف.
وقوله تعالى: ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ)) فيه إشارة إلى الإيمان المعتبر الحقيقي، وهو اليقين الثابت في القلب، الذي لا ارتياب معه، لا الذي يكون على سبيل الخطر، فالمؤمنون هم الموقنون الذين غلبت ملكة اليقين قلوبهم على نفوسهم، ونورتها بأنوارها، حتى تأثرت بها الجوارح، فلم يمكنها إلا الجزم بحكمها، والتفاخر بهيئتها، وذلك معنى قوله: ((وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)) أي: بعد نفي الارتياب عنهم؛ لأنه لا يمكن أن يبذل الإنسان ماله ونفسه في سبيل شيء وهو يشك فيه؛ لأنه إذا مات سوف يلقى الله، فإذا لم يكن على يقين بأنه على الحق بهذا الإيمان؛ فكيف يخاطر بنفسه وبماله؟! فإذاً: هذه ثمرة هذا اليقين: ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا))، فإذا كانوا على هذه الدرجة من اليقين والبراءة من الريبة والشك، فهؤلاء تطاوعهم أنفسهم في أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله تبارك وتعالى.