قال تبارك وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} [الحجرات:4].
((إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ)) أي: يدعونك ((مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ)) أي: خارج الحجرات يعني: خلفها أو قدامها على أن (وراء) من المواراة والاستتار، أي: فما استتر عنك فهو وراء خلفاً كان أو قداماً إذا لم تره.
وقيل: هي من الأضداد، فهي مشترك لفظي.
قيل: ((الذين ينادونك)) يدعونك ((من وراء)) أي: خارج الحجرات عند كونك فيها؛ استعجالاً لخروجك إليهم، ولو بترك ما أنت فيه من الأشغال.
((أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ)) إذ لا يفعله محتكم، فلا يراعون حرمة أنفسهم ولا حرمتك، ونسب إلى الأكثر؛ لأنه ليس المقصود أن جميعهم فعل ذلك، لكن قد يتبع شخص عاقل جماعة من الجهال موافقة لهم، فيسلك في نظامهم، فلذلك نسبه إليهم مع أن قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ}، يفهم أن فيهم من يعقلون، لكن هؤلاء تبعوا جماعة الجهال.
وقال القرطبي: ثم يحتمل أن يكون المنادي بعضاً من الجملة، فلهذا قال: ((أكثرهم لا يعقلون)) أي: إن الذين ينادونك من جملة قوم الغالب عليهم الجهل.