قال عز وجل: {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ} [البقرة:154] (ولا تقولوا) هذا عطف على قوله من قبل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} [البقرة:153] (ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات) يعني: لا تقولوا: هم أموات مثل غيرهم من الأموات, بل موتهم ذو صفة خاصة، فهم ليسوا كغيرهم من الأموات، وهذا هو المقصود من النهي هنا.
(بل أحياء) يعني: بل هم أحياء، وأرواحهم في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت كما جاء في صحيح مسلم.
(بل أحياء ولكن لا تشعرون) أي: لا تعلمون ما هم فيه.
ففي هذه الآية ينهى الله تعالى عباده المؤمنين أن يقولوا للشهداء: هم أموات، بمعنى الذين تلفت نفوسهم وعدموا الحياة، وتصرمت عنهم اللذات، وأصبحوا كالجمادات كما يتبادر من معنى الميت؛ ولذلك الإمام السيوطي رحمه الله تعالى في تفسيره لهذه الآية: (لا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات) يعني: لا تقولوا: هم أموات مثل غيرهم من الأموات، (بل أحياء) يعني بل هم أحياء.
ويقول القاسمي: ينهى الله تعالى عباده المؤمنين أن يقولوا للشهداء: أموات، بمعنى لا تسووهم بالأموات، لا تظنوا أنهم أموات كالأموات الذين تلفت نفوسهم وعدموا الحياة، وتصرمت عنهم اللذات، وأضحوا كالجمادات، كما يتبادر من معنى الميت، ويأمرهم سبحانه بأن يقولوا لهم: (بل أحياء) بل قولوا: هم أحياء؛ لأنهم أحياء عند ربهم يرزقون، كما قال تعالى في آل عمران: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران:169 - 171].
فقوله في هذه الآية الكريمة في آل عمران: (بل أحياء عند ربهم) هذا تفسير لهذه الآية: {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ} [البقرة:154]، (بل أحياء) نفهمها من قوله: (أحياء عند ربهم).