قوله تعالى: ((فتصيبكم منهم معرة بغير علم)) أي: معرة إثم وغرامة من عره إذا عراه ما يكرهه، ((فتصيبكم منهم معرة بغير علم)) يعني: تطئوهم غير عالمين بهم، والمعنى: ولولا كراهة أن تهلكوا ناساً مؤمنين بين ظهراني المشركين وأنتم غير عارفين بهم، فيصيبكم بإهلاكهم مكروه ومشقة؛ لما كف أيديكم عنهم، ولأذن لكم في دخول مكة مقاتلين لهم.
((لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذاباً أليماً)) يعني: لو تميز الكفار عن المؤمنين الذين بين أظهرهم لعذبنا الذين كفروا منهم عذاباً أليماً يعني: لسلطناكم عليهم فقتلتموهم قتلاً ذريعاً، وعن جنيد بن سبع قال: قاتلت رسول الله صلى الله عليه وسلم أول النهار كافراً، وقاتلت معه آخر النهار مسلماً، وفينا نزلت: ((ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات)) قال: كنا تسعة نفر: سبعة رجال، وامرأتين.
((لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا)) يعني: بقتل المؤمنين إياهم.
وفسر ابن إسحاق المعرة: بالدية، فتصيبكم منهم معرة يعني: دية، ذهاباً إلى أن دار الحرب لا تمنع من الدية، وهو مذهب الشافعي، وذهب غيرهما إلى أنها تمنع من الدية، وقال ابن جرير: المعرة: هي كفارة قتل الخطأ، وذلك عتق رقبة مؤمنة لمن أطاق ذلك، ومن لم يطق فصيام شهرين، قال ابن جرير: وإنما اخترت هذا القول دون الذي قاله ابن إسحاق لأن الله إنما أوجب على قاتل المؤمن في دار الحرب إذا لم يكن هاجر منها ولم يكن قاتله علم إيمانه الكفارة دون الدية؛ لأن الله تعالى قال: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء:92]، ولم يوجب على قاتله خطأً ديته؛ فلذلك قلنا: معنى المعرة في هذا الموضع: الكفارة.
((لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ)): كأنه قال: لكن كفها عنكم ولم يأذن لكم في مقاتلتهم ليدخلكم في رحمته الكاملة بحفظكم من المعرة.
وهناك تفسير آخر لقوله: ((ليدخل الله في رحمته من يشاء))، وهو: أن هذه الآية فيمن رغب في الإسلام من المشركين، وعليه اقتصر شيخ المفسرين ابن جرير أي: ليدخل الله في الإسلام من أهل مكة من يشاء قبل أن تدخلوها.
((لو تزيلوا)) أي: لو تميز مشركو مكة من الرجال المؤمنين والنساء المؤمنات الذين لم تعلموهم منهم ((لعذبنا الذين كفروا منهم عذاباً أليماً)) من قتل أو أسر أو نوع آخر من العذاب الآجل.
قال الكياالهراسي: في الآية دليل على أنه لا يجوز حرق سفينة الكفار إذا كان فيها أسرى بعض المسلمين، وكذلك رمي الحصون إذا كانوا بها، والكفار تترسوا بهم، وهذا مذهب من يرى أن الترس لا يقتلون، يعني: لو أن الكفار أسروا من المسلمين وتترسوا بهم بما يسمى الآن بالدرع البشري، أخذوا بعض الأسرى من المسلمين ووضعوهم كدرع بشري بحيث إذا ضربهم المسلمون يصيبون المسلمين، وهذا بحث يستحق التفصيل، ولكن نقول باختصار: لا يجوز ذلك إلا إذا كان لمصلحة ضرورية كلية قطعية، وبين ذلك الإمام القرطبي رحمه الله تعالى في تفسيره لهذه الآية، وفصل الكلام فيما يتعلق بمسألة التترس بالمسلمين.