في المغانم الموعود بها أقوال أصحها: أن الله وعد بمغانم كثيرة من غير تعيين، وكل ما غنموه كان منها، والله كان عالماً بها، وهذا كما يقول ابن مالك: تقول لمن يخدمك: لك مني على ما فعلته الجزاء إن شاء الله، ولا يريد شيئاً بعينه، ثم كل ما يأتي به ويؤتيه يكون داخلاً تحت ذلك الوعد، ولله المثل الأعلى.
قوله تعالى: ((وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ)) لإتمام المنة كأنه قال: رزقتكم غنيمة باردة من غير مس حر القتال، ولو تعبتم فيه لقلتم: هذا جزاء تعبنا، لكن الله كف أيدي الناس عنكم بدون تسبب منكم.
((وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ)) يعني: لينفعكم الله بها وليجعلها لمن بعدكم آية تدلهم على أن ما وعدهم الله يصل إليهم كما وصل إليكم، يعني: الذين يأتون بعد الصحابة إلى أن يشاء الله سبحانه وتعالى فإنها تكون آية لهم، حيث إن الله سبحانه وتعالى وعد المؤمنين الغنيمة وقد حصلوها، ووعد من يأتي بعد من المسلمين غنائم أخرى سوف يأخذونها، فيستدلون بما رأوا من إعطاء الله الصحابة رضي الله تعالى عنهم الغنيمة المعجلة على أن وعد الله سبحانه وتعالى آت، وهي نفس الغنيمة الموعودة بها.
ويحتمل أن يكون معنى قوله تعالى: أو: ((وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ)) يعني: تنفعكم في الظاهر، ويزداد يقينكم إن رأيتم صدق الرسول صلى الله عليه وسلم.
قوله: ((مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ)) ذكر الجلبي أنه إن كان نزولها بعد فتح خيبر كما هو الظاهر، فلا تكون السورة بتمامها نازلة في مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الحديبية.
إذاً: هذا الجزء من السورة نزل بعد فتح خيبر، وكل السورة نزلت مرجع النبي عليه الصلاة والسلام من صلح الحديبية قبل خيبر، فعبر بالماضي لتحقق الوقوع، كما قال الله تبارك وتعالى: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [المائدة:116] فهل هذا قد حصل بالفعل؟ لا، لكن يعبر عما يحصل في المستقبل بالماضي لإفادة تحقق وقوعه، فكأنه وقع بالفعل وصار ماضياً يخبر عنه بصيغة الماضي، فهذه من أساليب اللغة العربية، لكن هنا قوله: ((فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ))، هي في خيبر، فهذا من باب الإخبار عن الغيب.
((فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ)) (هذه) إشارة لتنزيل المغانم منزلة الحاضرة المشاهدة، والتعبير بالمضي للتحقق.