هذه الآية يرد بها على الرافضة الشيعة في قضية معينة مهمة، فعلى أن هؤلاء القوم بنو حنفية، فإن هذه الآية تدل على صحة خلافة أبي بكر رضي الله تعالى عنه؛ لقوله تعالى: (قل للمخلفين من الأعراب ستدعون) أي: في المستقبل (إلى قوم أولي بأس شديد): وهم بنو حنيفة (تقاتلونهم أو يسلمون) أي: تقاتلونهم أو يسلمون، وهل يمكن أن يكون هؤلاء هم الروم أو الفرس؟ هذا التخيير هل يمكن أن يحمل على الروم أو الفرس؟ قوله: (تقاتلونهم أو يسلمون) هذا حكم من لا يقبل منهم الجزية، أما أهل الكتاب فتؤخذ منهم الجزية، فإذاً هذه عارضة، وقوله تبارك وتعالى: {فَإِنْ تُطِيعُوا} [الفتح:16] يعني: الإمام الذي يدعوكم إلى قتال هؤلاء القوم الذين هم بنو حنيفة.
{فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [الفتح:16] فهذه الآية تحرض على طاعة الخليفة الذي يأمرهم بقتال هؤلاء القوم، وتبين أن خلافته عند الله خلافة صحيحة، وبهذه الآية يرد على الرافضة -قبحهم الله- في طعنهم في خلافة أبي بكر رضي الله تعالى عنه؛ فإن قتال المرتدين من بني حنيفة وغيرهم كان تحت راية أبي بكر رضي الله تعالى عنه، ولو كان قتال أبي بكر لهم غير شرعي لكان ما يترتب عليه باطل، وعلي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه تسرى بامرأة من سبي بني حنيفة في هذا القتال، وولدت له محمد بن الحنفية، وهو محمد بن علي بن أبي طالب لكن اشتهرت نسبته إلى أمه، فكون علي أمير المؤمنين نفسه يستفيد من نتائج قتال بني حنيفة ويعتبره شرعياً، ويبني عليه أن هذا السبي وقع صحيحاً، ويتسرى بهذه المرأة الحنفية؛ فهو دليل آخر يبطل ضلال الشيعة وعدوانهم على أبي بكر رضي الله تعالى عنه.
(تقاتلونهم أو يسلمون) وفي بعض القراءات: تقاتلونهم أو يسلموا، يعني: (أو) ستكون في هذه القراءة بمعنى: حتى يسلموا، قال القرطبي رحمه الله تعالى: تقاتلونهم أو يسلمون هذا حكم من لا تؤخذ منهم الجزية وهو معطوف على تقاتلونهم أي: يكون أحد الأمرين: إما المقاتلة، وإما الإسلام، لا ثالث لهما.
وفي حرف أبي أو يسلموا بمعنى: حتى يسلموا، كما تقول: كل أو تشبع، يعني: كل حتى تشبع، وقال امرؤ القيس: فقلت له لا تبك عينك إنما نحاول ملكاً أو نموت فنعذر قال الزجاج: قوله تعالى: (أو يسلمون) لأن المعنى: أو هم يسلمون من غير قتال، وهذا في قتال المشركين لا في أهل الكتاب.
قال الإمام القرطبي رحمه الله تبارك وتعالى: في هذه الآيات دليل على صحة إمامة أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما، وهي كآية سورة النور: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا} [النور:55]، فالخطاب كان للمؤمنين الحاضرين في زمن النبي عليه الصلاة والسلام وقت النبوة، ولم يقع هذا الاستخلاف إلا في زمن الخلفاء الراشدين رضي الله تعالى عنهم.
وأيضاً: تأملوا قول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} [المائدة:54]، فهذا كله مدح لمن يقاتل المرتدين، وأول من قاتل المرتدين أبو بكر رضي الله تعالى عنه والصحابة.
يقول القرطبي: في هذه الآية دليل على صحة إمامة أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهم؛ لأن أبا بكر دعاهم إلى قتال بني حنيفة، وعمر دعاهم إلى قتال فارس والروم، وأما قول عكرمة وقتادة: إن ذلك في هوازن وغطفان يوم حنين فلا؛ لأنه يمتنع أن يكون الداعي لهم الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه قال: {فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِي عَدُوًّا} [التوبة:83]، فدل على أن المراد بالداعي غير النبي صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أنه لم يدع هؤلاء القوم بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهم، فيبعد أن نقول: هم غطفان وهوازن يوم حنين؛ لأن هؤلاء المخلفين حرموا من شرف مصاحبة النبي عليه السلام في القتال طول حياتهم، لكن فتحت لهم فرصة بعد ذلك مع أبي بكر وعمر، فهذا مما يرجح القول بأن الذي سيدعوهم إلى القتال ليس هو النبي صلى الله عليه وسلم، بدليل أنه قال: ((فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِي عَدُوًّا))، وهذه نكرة في سياق النفي تفيد العموم، وهذا يدل على أن المراد بالداعي غير النبي صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أنه لم يدع هؤلاء القوم للقتال بعد النبي عليه السلام إلا أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.
قال الزمخشري: فإن صح ذلك عن قتادة فالمعنى لن تخرجوا معي أبداً ما دمتم على ما أنتم عليه من مرض القلوب والاضطراب في الدين، أو على قول مجاهد: كان الموعد أنهم لا يتبعون رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا متطوعين لا نصيب لهم في المغنم، يعني: قوله (لن تخرجوا معي أبداً ولن تقاتلوا معي عدواً) في تفسير مجاهد يعني: إلا متطوعين ولا يكون لكم نصيب في الغنيمة.
إذاً: هذه الآية من الآيات التي يستفاد منها في الرد على الشيعة قبحهم الله سبحانه وتعالى! ومما يؤسف له أننا نسمع كلاماً بين الوقت والآخر موجعاً وأليماً، حينما نرى أناساً ليسوا من العوام لكنهم من الخواص، ومع ذلك ما زالوا حتى الآن يمجدون الشيعة، وأعرف بعض الصحفيين المشهورين جداً في إحدى جرائد المعارضة ما زال بين وقت وآخر يمدح الشيعة والحكومة الإسلامية في إيران، مع أنه نفسه يقر أن الشيعة فيهم كذا وكذا وكذا؛ لأنه ذهب إلى هناك ورأى بعدهم عن الإسلام وإلحادهم في دين الله سبحانه وتعالى، فيكفي جهلاً أننا حتى الآن لا نعرف عدونا الحقيقي، ولا نعرف أن هؤلاء الشيعة من أخطر الناس على الإسلام والمسلمين، حتى الآن ما اكتشفتم ذلك؟! قد صدرت مئات الكتب تفضح الشيعة، وتبين خبثهم وعداءهم للدين وللإسلام، وأنهم عقبة أمام الإسلام ودعوة الإسلام، وأنهم منحرفون عن الدين، ليسوا على ديننا، هم على دين آخر، فالشيعة منحرفون انحرافاً كاملاً عن الدين، وليسوا كما يقول الخداعون المضللون الذين يخدعون الشباب فيقولون: إن مذهب هؤلاء مثل المذهب الحنبلي والشافعي والمالكي، هم أبعد من المعتزلة والأشاعرة وغيرهما من الفرق الضالة، فالذي يقول: هم مثل أي مالكي أو حنبلي أو حنفي، فقد كذب على الله سبحانه وتعالى في هذا الكلام، ولا يعفيهم من هذا الافتراء إلا أن يكونوا جهلة غارقين في الجهل، فحينئذ نرجو لهم العفو والمغفرة إن كان أحدهم جاهلاً، أما أن يكون عالماً ويقول هذا الكلام فهذا في الحقيقة عدوان على أنصع وأهم وأخطر حقائق الإسلام.
فالشيعة يطعنون في القرآن، والشيعة يكفرون الصحابة إلا ثلاثة، كل الصحابة عندهم مرتدون! وموقفهم من الشيخين معروف، فدينهم كله قائم على اللعن والسباب والشتم، وبعض الناس من شدة الاستغراق العاطفي والحماس الوجداني -عندهم حاجة يسمونها في علم النفس الإنكار- غير مصدق؛ لأن عنده نوعاً من الهروب من مواجهة الوضع، كما تأتي لرجل وتقول له مثلاً: أبوك مات، فيقول لك: أنت كذاب، لا يتحمل الخبر لقوة الصدمة، فيقابل الخبر بالإنكار كنوع من الحيل الدفاعية، ويخفف على نفسه بهذا قبل أن يفيق، ويتعامل مع الواقع، لكن نحن طولنا جداً في موضوع الإنكار، مثل المريض عندما يأتي إلى الدكتور فيقول له: يا عم! أنت عندك أعراض مرض السكر، اذهب اعمل تحليلاً، فهو لا يعمل التحليل ويتمادى ويتأخر فيه، لأنه يخاف أن يكون عنده سكر! فكذلك بعض الناس يخاف أن يبحث المسألة فيجد أن الشيعة -لأنه أصبح متعلقاً بهم- مجرمون ملحدون منحرفون عن الدين، فهو لا يحب أن يتعب نفسه ويبحث.
الثورة الخمينية كانت سنة 1379 تقريباً، وإلى الآن إلى عام (1420) مازلنا في حالة الإنكار، ولا نريد أن نعرف حقيقة القوم، وأنهم ضالون منحرفون عن الدين مع أن العلماء مازالوا يحذرون منهم، والواقع قد كشفهم وكشف عداءهم للإسلام وطعنهم في الدين، فهذا شيء غريب جداً! فبعض الناس يفتتن بأشياء تلمع، فهم يحبون أن يفتخروا بـ الخميني في موقفه من سلمان رشدي، فنقول لهم: وموقفه من أبي بكر وعمر وعائشة والمهاجرين والأنصار؟! وما موقفه من القرآن الكريم؟! وهو يرى أن دعاء الحجر أو الشجر عملاً باطلاً لكن لا يحرم! هل هذا الخميني ليس بمشرك وهو يجيز أن تسأل أو تدعو وتعلق قلبك بحجر أو شجر؟! أين موقفك من الخميني وهو يقول: إن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا -الاثني عشر- مقام معلوم، ومنزلة سامية، لا يبلغها ملك مقرب ولا نبي مرسل؟! هذا في كتابه: الحكومة الإسلامية، وبعض الإخوة السذج عندما كنا نقول لهم هذا الكلام يقول: الطبعة هذه مزورة، يعني: طبعة كتاب الحكومة الإسلامية مزورة، يقول هذا الكلام ويستميت في الدفاع عن الخميني! فالشاهد أننا ما زلنا في حالة إنكار للواقع، ونحاول أن نهرب من موا