من النعم التي امتن الله سبحانه وتعالى بها على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ما أوجده الله عز وجل لنبينا على القلب واللسان والجوارح من حقوق زائدة على مجرد التصديق بنبوته، فليس حق النبي علينا يقتصر على الاعتراف بنبوته، وإنما هناك حقوق زائدة على هذا، كما أوجب الله سبحانه وتعالى على خلقه من العبادات على القلب واللسان والجوارح أموراً زائدة على مجرد التصديق به سبحانه وتعالى، وحرم الله سبحانه وتعالى لحرمة نبيه صلى الله عليه وسلم أشياء مما يباح أن تفعل مع غيره، غير مجرد التكذيب بنبوته، يعني: يحرم تكذيب نبوته، وإلى جانب ذلك حرمت أشياء زائدة على مجرد التكذيب على أمته، مع أن هذه الأشياء تباح أن تفعل مع غيره، فمن ذلك أنه أمر بالصلاة عليه والتسليم صلى الله عليه وسلم، فقد أخبر أن الله وملائكته يصلون عليه صلى الله عليه وسلم، وجعل الصلاة والسلام عليه قربة وعبادة، وهذا أمر لم ينله غيره من الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم، وجمعت صيغة الصلاة والسلام عليه جميع الخيرات، ومن صلى عليه مرة صلى الله عليه عشراً حضاً للناس على ذلك، قال صلى الله عليه وسلم: (من ذكرت عنده فلم يصل علي خطئ طريق الجنة).
وقال عليه الصلاة والسلام: (البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي)، ولا شك أن في قوله سبحانه وتعالى في سورة الأحزاب: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:56] التشريف الذي شرف الله به رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بهذه الآية، وهو أجمع وأتم من تشريف آدم عليه السلام بسجود الملائكة له؛ لأن تشريف آدم بسجود الملائكة تشريف بفعل الملائكة، أما هنا فالتشريف هو بفعل الله سبحانه وتعالى، فتشريف يصدر عن الله عز وجل أبلغ من تشريف تختص به الملائكة من غير أن يكون الله تعالى معهم في هذا التشريف، فهنا جمع له تشريفاً تقوم به الملائكة كما حصل لآدم، لكن زاد عليه أن الله مع الملائكة، فالفارق كبير جداً كالفارق بين الخالق والمخلوق، قال هنا: ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ)) فبدأ بنفسه عز وجل، ثم ثنى بملائكته، وإذا استحضرنا أن الملائكة لا يحصي عددهم إلا الله سبحانه وتعالى لعرفنا مدى تعظيم ذكر النبي عليه الصلاة والسلام والصلاة عليه على لسان الملائكة! ثم إن هذا مستمر، أما السجود فكان حادثة مؤقتة ثم انقضت، والصيغة هنا أتت بصيغة المضارعة؛ لتدل على الاستمرار إلى هذه اللحظة، فالملائكة مازالت تصلي -إلى أن يشاء الله سبحانه وتعالى- على النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك الله؛ لأن الآية: ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ))، ولم يقل: صلوا على النبي، لا، وإنما: ((يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ)) لتفيد الاستمرار في هذا التشريف.