يقول القرطبي رحمه الله: قوله تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً) المعنى: كما أن الكعبة وسط الأرض، وهذا اكتشاف علمي اكتشف حديثاً، وهناك بحوث علمية مؤكدة بأن مكة هي مركز اليابس على سطح الكرة الأرضية، فانظر كيف استنبط القرطبي هذا المعنى من القرآن، يقول: كما أن الكعبة وسط الأرض كذلك جعلناكم أيها الأمة أمة وسطاً، أي: جعلناكم دون الأنبياء وفوق الأمم.
أي: أنتم أقل من الأنبياء وفوق كل أمم الأنبياء، فأنتم خير أمة أخرجت للناس، هذا أحد معاني الوسطية.
والوسط العدل، وأصل هذا أن أحمد الأشياء أوسطها، وأفضل الأشياء الوسط.
وروى الترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً) قال: (عدلاً)، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وفي التنزيل الكريم: {قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ} [القلم:28] أي: أعدلهم وخيرهم، وقال زهير: هم وسط يرضى الأنام بحكمهم إذا نزلت إحدى الليالي بمعظم وقال آخر: أنتم أوسط حي علموا بصغير الأمر أو إحدى الكبر وقال آخر: لا تذهبن في الأمور فرطاً لا تسألن إن سألت شططاً وكن من الناس جميعاً وسطاً ووسط الوادي خير موضع فيه وأكثره كلأً وماءً، ولما كان الوسط مجانباً للغلو والتقصير كان محموداً، أي هذه الأمة أمة وسط، يعني أنها مبرأة من الغلو أو التطرف كما يقولون على المصطلح الشائع الآن، فالتطرف أخذ الأشياء بطرف الأمور: كانت هي الوسط المحمي فاكتنفت بها الخوادث حتى أصبحت طرفاً فالأخذ بأطراف الأمور سواء في الإفراط أو التفريط، الغلو أو الجفاء، هو التطرف، وذلك كأن تكون مغالياً في التعامل مع الأمور أو في فهمها، فهذه الأمة مبرأة من هذا الوصف، وكما ذكرنا من قبل مراراً: أن التعريف الوحيد الصحيح للمتطرف: هو كل من عدا المسلم من أهل السنة والجماعة، فكل رجل على غير ملة الإسلام فهو متطرف قطعاً ولا شك في ذلك، فاليهودي والنصراني والمجوسي والمشرك كلهم متطرف، وكل من ليس من أهل السنة والجماعة من المسلمين فهو أيضاً متطرف، فالخارجي متطرف، والمرجئ متطرف، والجبري متطرف، والقدري متطرف وهكذا، في كل قضية هناك طرفان ووسط، فالمعتدل الوحيد في هذا الوجود هو أولاً: المسلم، ثانياً: الذي يكون من أهل السنة والجماعة، وكل من خالفه في عقيدته ومنهجه فهو المتطرف.