قال الله تبارك وتعالى: {قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ} [البقرة:139] قل لهم: (أتحاجوننا) أي: أتخاطبوننا وتجادلوننا (في الله) أن اصطفى نبياً من العرب، ولم يكن هذا النبي من بني إسرائيل؟ (وهو ربنا وربكم)؛ فنحن سواء في هذه العبودية لله، فله أن يصطفي من عباده من يشاء، {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ} [القصص:68]، ليس لكم الخيرة، فالله سبحانه وتعالى كلنا سواء أمامه في العبودية، وكلنا مربوبون له، فله أن يصطفي من عباده من يشاء سبحانه وتعالى، وهو ربنا وربكم (ولنا أعمالنا) أي نجازى بها (ولكم أعمالكم) تجازون بها، فلا يبعد في أن يكون في أعمالنا ما نستحق به الإكرام، أو في أعمالكم ما تجازون عليه، فكلانا عبد مربوب لله تبارك وتعالى، فلا يبعد بعدما استوينا في هذه الأمور أن يكون في أعمالنا ما نستحق به إكرام ربنا، وقد كان بالفعل، فكانت هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس، (ونحن له مخلصون) في الدين والعمل دونكم، فبالتالي نحن أولى بالاصطفاء.
قوله: (قل أتحاجوننا) استفهام إنكاري، والجمل الثلاث أحوال، (أتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم)، هذه جملة حال، (ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم)، حال ثانية، (ونحن له مخلصون) حال ثالثة.
قوله تعالى: (قل أتحاجوننا) المحاجة المخاصمة في الدين، (قل) منكراً لمحاجتهم وموبخاً لهم عليها، (أتحاجوننا في الله)، أي: أتناظروننا في توحيد الله والإخلاص له، واتباع الهدى، وترك الهوى؟ (وهو ربنا وربكم) يعني المستحق لإخلاص العبودية له وحده لا شريك له ونحن وأنتم في العبودية له سواء (ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم) أي: نحن برآء منكم ومما تعبدون، وأنتم برآء منا، كما قال في الآية الأخرى: {وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ} [يونس:41]، وقال تعالى: {فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ} [آل عمران:20].
(ونحن له مخلصون) في العبادة والتوجه لا نشرك به شيئاً، بينما أنتم تشركون به عزيراً والمسيح والأحبار والرهبان.