تفسير قوله تعالى: (ومنهم من يستمع إليك)

قال تبارك وتعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ} [محمد:16]، يذكر تعالى عن المنافقين في بلادتهم وقلة فهمهم أنهم كانوا يجلسون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويستمعون كلامه، فلا يفهمون منه شيئاً.

قال القرطبي: أي: من هؤلاء الذين يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام، وزين لهم سوء عملهم: قوم يستمعون إليك، وهم المنافقون كـ عبد الله بن أبي بن سلول ورفاعة بن التابوت وزيد بن الصليت والحارث بن عمرو ومالك بن الدخشم، فقد كانوا يحضرون الخطبة يوم الجمعة، فإذا سمعوا ذكر المنافقين فيها أعرضوا عنها، فإذا خرجوا سألوا عنه، وقيل: كانوا يحضرون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم مع المؤمنين، فيستمعون منه ما يقول، فيعيه المؤمن ولا يعيه الكافر، لأن على قلوبهم أقفالاً، وتلك الأقفال تمنع من أن يدخل فيها الإيمان، أو أن يخرج منها النفاق، والله تعالى أعلم.

قوله: ((وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا)).

يقول ابن جرير: حتى إذا خرجوا من عندك قالوا إعلاماً منهم لمن حضر معهم مجلسك من أهل العلم بكتاب الله، وتلاوتك عليهم ما تلوت، وقيلك لهم ما قلت، يقولون لمن كان حاضراً من أهل العلم: إنهم لم يصغوا سماعهم لقولك وتلاوتك، ماذا قال آنفا؟ يعني: ماذا قال لنا محمد صلى الله عليه وسلم آنفا؟ قوله تبارك وتعالى: (حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم) قال ابن كثير يعني: من الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وقال عكرمة: هو عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، وهذه منقبة لـ عبد الله بن عباس، وقال ابن عباس: أنا منهم وقد سئلت فيمن سئل.

وفي رواية عن ابن عباس أن المقصود بالآية عبد الله بن مسعود وكذا عبد الله بن بريدة.

وقال القاسم بن عبد الرحمن: هو أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه، وقال ابن زيد: إنهم الصحابة، وقال الشوكاني: والأول أولى، يعني: علماء الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين، فلا تعارض بين ما ذكر من أمثلة من علماء الصحابة وبين التعميم.

قوله: (آنفاً) أي: الآن، على جهة الاستهزاء، أي: إما أنهم يقولون: ماذا قال آنفاً؟ على سبيل الاستفهام الحقيقي، وهذا يدل على غباوتهم، وقلة فهمهم، وبلادة عقولهم، فهم لا يعون ما يعيه المؤمنون.

وتفسير آخر: (قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفاً) أنهم يقولون ذلك على جهة الاستهزاء، وإعلاناً منهم أنهم لا يبالون بما يقوله النبي صلى الله عليه وسلم، وأنهم لن يلتفتوا إلى قوله عليه الصلاة والسلام، أما قوله تعالى: (ماذا قال آنفاً) فالآنف: هو الساعة أو الوقت الذي هو أقرب الأوقات إليك، تقول: استأنفت الشيء إذا بدأت به، ومنه: أمر أنف، أي: مبتدأ، و (روضة أنف) أي: لم يرعها أحد، و (كأس أنف) إذا لم يشرب منها شيء، فكأنه استأنف شربها، وهو مثل: روضة أنف، وأنف كل شيء أوله.

وقال قتادة في هؤلاء المنافقين: الناس رجلان: رجل عَقِل عن الله فانتفع بما سمع، ورجل لم يعقِل ولم ينتفع بما سمع، وكان يقال: الناس ثلاثة: فسامع عالم، وسامع عاقل، وسامع غافل تارك.

(ماذا قال آنفاً) قرئ (آنفاً) منصوباً على الظرفية، أي: وقتاً مؤتنفاً، أو حال من ضمير من قال.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015