إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل على محمد النبي، وأزواجه أمهات المؤمنين، وذريته وأهل بيته، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد: فنشرع بإذن الله تعالى في تفسير سورة القتال، وهي المسماة بسورة محمد صلى الله عليه وسلم، وتسمى سورة الذين كفروا، جاء في الأسباب إنها بدأت بقوله تعالى: {والَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} [محمد:1].
أما تسميتها باسم رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم فلما فيها من أن الإيمان بما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم متفرقاً أعظم من الإيمان بما نزِّل مجموعاً على جميع الأنبياء عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام، وهذا من أعظم مقاصد القرآن.
وتسمى بسورة القتال؛ لدلالتها على ارتفاع حرمة نفوس الكفار المانعة من قتالهم، فلا حرمة لهم عن قتالهم، وأيضاً سميت بسورة القتال لما ذكر فيها من أحكام القتال، وكثرة فوائده.
وهي مدنية في قول ابن عباس ذكره النحاس، وقال الماوردي: مدنية في قول الجميع إلا ابن عباس وقتادة، فإنهما قالا: إنها مدنية إلا آيةً منها نزلت عليه بعد حجة الوداع حين خرج من مكة، وجعل ينظر إلى البيت وهو يبكي حزناً عليه، فنزل عليه قوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلا نَاصِرَ لَهُمْ} [محمد:13].
وقد غلط الثعلبي حيث قال: إنها -أي: السورة- مكية، فهذا قول غريب.
وروى ابن مردويه عن ابن الزبير قال: نزلت في المدينة سورة الذين كفروا، أي: سورة محمد صلى الله عليه وسلم.
وروى الطبراني في الأوسط عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بهم في المغرب: ((الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ))).
وآيها ثمان وثلاثون آية، وقيل: تسع وثلاثون، ومثل هذا الاختلاف في عدد الآيات لا يعني اختلافاً في ألفاظ الآيات، فهي نفس الألفاظ، فبعض الآيات قد يرى بعض العلماء مثلاً أنها آية كاملة، والبعض يرى أنها جزء آية، وليس يمنع هذا الاختلاف في عدد ألفاظ السورة، وإنما في موضع الآية.