قال تعالى: {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الزخرف:71].
الصحاف: جمع صحفة وهي آنية الأكل، والأكواب: جمع كوب، وهو ما يشرب منه كالكوز، لكن الكوب ما لا عروة له، قال الشهاب: ما يمسك منه، ويسمى أذناً، ولذا قال من قال فيه: وذي أذن بلا سمع له قلب بلا قلب إذا استولى على صب فقل ما شئت في الصب (وذي أذن بلا سمع) يعني: هو الشيء الذي له أذن لكن لا يسمع بها، وهو الإبريق الذي يكون له أذن يمسك منها (إذا استولى على صب) الصب: يعني المولع بالغرام والشوق.
(فقل ما شئت في الصب) يعني: صب الماء.
ومن اللطائف هاهنا أنه قيل: إنه لما كانت الأواني للمأكولات أكثر بالنسبة لأواني المشروب في العادة جمع الأول جمع كثرة، والثاني جمع قلة؛ لأن أواني الأكل تكون أكثر، وأواني الشرب تكون أقل.
((وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ))، أي: تلتذ الأعين برؤيته لحسنه، كما قال تعالى: {صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ} [البقرة:69] وأسند اللذة إلى العين وإن كان المقصود الرائي بالعين، وهذا كإسناد الكذب والخطيئة إلى الناصية {نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ} [العلق:16]، والمقصود صاحب هذه الناصية أي: الشخص نفسه، كذلك أيضاً إسناد الخشوع إلى الوجوه {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ} [الغاشية:2 - 3]، المقصود بها الشخص كله، لكن عبر عنها بالوجوه.