قال تعالى: {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ * فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ} [الزخرف:49 - 50].
قوله تبارك وتعالى: ((وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ)) فيها أقوال: قيل: يا أيها العالم! لأنهم كانوا يعظمون الساحر، ولذلك خاطبوه على جهة التعظيم بقولهم: ((يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ)).
وقيل: قالوها على جهة الاستهزاء، ويرشح ذلك أن السياق في ذكر سبب استهزائهم؛ لأنه قال قبلها: ((إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ))، ثم قال: ((وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ))، أي: استهزاءً به عليه السلام.
أو أنهم خاطبوه بما تقدم له عندهم من التسمية بالساحر، حيث كان أشيع عنه أنه ساحر، فتقدم لهم وصفه وتسميته بأنه ساحر فيما بلغهم عنه، فلما لقوه أو أتوه أو فزعوا إليه قالوا له: ((يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ))، باعتبار هذه التسمية المتقدمة عندهم.
وقوله: ((ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ)) العهد الذي عهده الله سبحانه وتعالى عند موسى أنه لا يعذب من آمن بموسى، فقالوا: فادع الله لنا بهذا العهد، أن من آمن منا فسوف لا يعذبه.
وقوله: ((إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ)) أي: بما تزعم أنه الهداية، يعني: كأنهم يعطونه وعداً: ((لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ)) [الأعراف:134].
وهذا دليل واضح على أن فرعون وقومه كانوا يعرفون في قلوبهم أن موسى رسول من عند الله حقاً وصدقاً، وأنه لا يكذب على الله، والأدلة كثيرة في القرآن، منها هذه الآية: {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ} أي: سوف نتبعك ونهتدي إن كشفت عنا العذاب، كما قال تبارك وتعالى في سورة الأعراف: {وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ * فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ} [الأعراف:134 - 135].
وكذلك قال هنا: {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ}، أي: ينكثون العهد الذي عاهدوا عليه، ويتمادون في غيهم.