قال عز وجل: {وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى} [طه:129]، هذا بيان لحكمة تأخير عذابهم، مع إشعار قوله تبارك وتعالى: ((أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ)) بإهلاكهم مثل هلاك أولئك، يعني: كما كذب هؤلاء المكذبون من قريش فلهم نفس المصير الذي لقيه المكذبون فيما مضى، لكن يمنع من نزول العذاب بهم الآن كما نزل على من قبلهم أن لذلك أجلاً محتماً لا يخلفه الله سبحانه وتعالى، وما هي هذه الكلمة السابقة؟ قال القاشاني: هو القضاء السابق ألا يستأصل هذه الأمة بالدمار والعذاب في الدنيا؛ لأن محمداً عليه الصلاة والسلام نبي الرحمة، فقد قضى الله سبحانه وتعالى ألا يهلك أمته إهلاكاً عاماً يستأصل شأفة المكذبين منهم كما حصل في الأمم السابقة.
وقال الزمخشري في تفسير الكلمة السابقة: هي العدة بتأخير جزائهم إلى الآخرة، فقد وعد الله سبحانه وتعالى أنه يؤجل عذابهم إلى الآخرة، فلولا هذه العدة؛ لكان مثل إهلاكنا عاداً وثمود لازماً لهؤلاء الكفرة.
وقوله: ((لَكَانَ لِزَامًا)) يعني: كان إهلاكهم لازماً ومحتماً كما أهلك الأولون، واللزام مصدر لازم كالخطاب، وصف بالمصدر مبالغة كما تقول: رجل صدق، فيوصف الإنسان بالمصدر أحياناً للمبالغة، أو أن اللزام اسم آلة؛ لأنها تبنى عليه، كحزام وركاب، واسم الآلة يوصف به مبالغة أيضاً كقولهم: مسعر حرب، ونزال خصم، بمعنى: مجهز على خصمه، من نز بمعنى ضيق عليه، وجوز أبو البقاء كون لزام جمع لازم، كقيام جمع قائم.