قال تعالى: {فَأْتِيَاهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى} [طه:47].
((فَأْتِيَاهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ)) أي: أطلقهم من الأسر والعبودية؛ لأن بني إسرائيل عانوا في مصر أشد العذاب والعناء على يد فرعون وملئه، فمعنى: (أرسل معنا بني إسرائيل) أي: لإطلاقهم من الأسر والعبودية وتسريحهم معنا إلى وطننا فلسطين، (ولا تعذبهم) أي: بإبقائهم على ما هم عليه من التسخير والتذليل في الأمور الشاقة.
(قد جئناك بآية من ربك) أي: آية تحقق رسالتي إليك منه تعالى بذلك.
(والسلام على من تبع الهدى) أي: آمن بآيات الله المبينة للحق، وفيه من ترغيبه لاتبعاهما على ألطف وجه ما لا يخفى.
قال الشنقيطي رحمه الله تعالى: ألف الاثنين في قوله: (فأتياه فقولا)، راجعة إلى موسى عليه السلام وهارون، والهاء في قوله: (فأتياه) تعود إلى فرعون، أي: فأتيا فرعون (فقولا له إنا رسولا ربك) أي: إنا رسولان إليك من ربك، (فأرسل معنا بني إسرائيل) أي: خل عنهم وأطلقهم لنا يذهبون معنا حيث شاءوا.
(ولا تعذبهم)، العذاب الذي نهى الله فرعون أن يفعله ببني إسرائيل هو المذكور في قوله تعالى في سورة البقرة: {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ} [البقرة:49]، وجاء ذكره أيضاً في سورة إبراهيم والأعراف والدخان في قوله: {وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ * مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ} [الدخان:30 - 31]، وقال في سورة الشعراء: {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الشعراء:22]، وقال أيضاً في سورة الشعراء: {فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الشعراء:16 - 17].
وقوله تبارك وتعالى: (قد جئناك بآية من ربك) الآية هنا جاءت مفردة؛ وهي اسم جنس، وهذه الآية مفردة يراد بها جنس الآية الصادق على العصا واليد وغيرهما لدلالة آيات أخرى على ذلك، بل آيات أخرى تدل على أن موسى أوتي تسع آيات وليس آية واحدة.
إذاً: المقصود (بآية) هنا جنس الآية.
(والسلام على من اتبع الهدى) يدخل فيه السلام على فرعون إن اتبع الهدى، ويفهم من الآية أن من لم يتبع الهدى لا سلام عليه، وفرعون كذلك؛ ولذلك كان في أول كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل عظيم الروم: (بسم الله الرحمن الرحيم: من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى.
أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام)، إلى آخر كتابه صلى الله عليه وسلم.