ومن فوائد هذه القصة ما قاله القاسمي رحمه الله تعالى: قال الإمام السبكي رحمه الله تعالى: ما فعله الخضر عليه الصلاة والسلام من قتل الغلام لكونه طبع كافراً مخصوص به -هذا من خصائص الخضر- لأنه أوحي إليه أن يعمل بالباطن خلاف الظاهر الموافق للحكمة، فلا إشكال فيه).
يعني: الأمر من حيث ما يظهر لنا لا شك أنه يستنكر كما فعل موسى عليه السلام لما أنكرها، أما الخضر فقد خصه الله سبحانه وتعالى أن يعمل بالباطن لا بالظاهر في هذه الأمور، فلا إشكال في هذه القصص.
قال: وإن علم من الشريعة أنه لا يجوز قتل صغير لاسيما بين أبوين مؤمنين، ولو فرضنا أن الله سبحانه وتعالى أطلع بعض أوليائه كما أطلع الخضر عليه السلام لم يجز له فعل ذلك، وما فعله الخضر كان بعلم الله وبأمر الله، قال تعالى: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي}.
وما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما: لما كتب إليه نجدة الحروري الخارجي: كيف قتل الخضر الغلام، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل الولدان، فكتب إليه: إن كنت علمت من حال الولدان ما علمه عالم موسى فلك أن تقتل؛ فإنما قصد به ابن عباس المحاجة والإحالة على ما لم يمكن قطعاً لطمعه في الاحتجاج بقصة الخضر عليه الصلاة والسلام، وليس مقصوده أنه إن حصل ذلك يجوز؛ لأنه لا تقتضيه الشريعة، وكيف يقتل بسبب لم يحصل؟ كيف والمولود لا يوصف بكفر حقيقي ولا إيمان حقيقي، وقصة الخضر تحمل على أنه كان شرعاً مستقلاً به وهو نبي، وليس في شريعة موسى أيضاً؛ ولذلك أنكره.
وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: وأما من استدل به على جواز دفع أغلظ الشرين بأخفهما فصحيح، لكن فيما لا يعارض منصوص الشرع، فلا يسوغ الإقدام على قتل النفس ممن يتوقع منه أن يقتل أنفساً كثيرة قبل أن يتعاطى شيئاً من ذلك، وإنما فعل الخضر ذلك بإطلاع الله تعالى عليه.
إذاً: هذا الحكم مخصوص بالخضر عليه السلام.
وقال ابن بطال: قول الخضر: وأما الغلام فكان كافراً؛ فهو باعتبار ما يئول إليه أمره لو عاش حتى يبلغ، واستحباب مثل هذا القتل لا يعلمه إلا الله، ولله أن يحكم في خلقه بما يشاء قبل البلوغ وبعده.
يقول القاسمي: مفاد الآية: أن إنكار موسى لقتل الغلام لكونه جناية بغير موجب، ولذا قال بغير نهي: {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ} [الكهف:74]؛ لأنه لم يفعل ما يستوجب ذلك، لا لكونه صغيراً لم يبلغ الحلم؛ لأن الآية لا تفيده، وقد يكون كبيراً.
يعني: أن كلمة الغلام يجوز أن تطلق على من كان كبيراً، وليس كما يتبادر إلى أذهاننا أنها تطلق على صغير السن، فمن حيث اللغة قد يطلق الغلام على الكبير، قال: فقد قال اللغويون: الغلام: الطار الشارب أو من حين يولد إلى أن يتم، والكهل أيضاً قد يطلق عليه غلاماً، ومن الأخير قول موسى في قصة الإسراء عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أبكي لأن غلاماً بعث بعدي يدخل من قومه الجنة) إلى آخر الحديث، (فوصف النبي عليه السلام بوصف الغلام، وعند البخاري: (وجد غلماناً يلعبون فأخذ غلاماً فذبحه)، قال موسى: (أقتلت نفساً لم تعمل بالحنث) ولكن لا نص فيه على أنه كان صغيراً، فتأمل.