يقول تعالى: {وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تُرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا} [الكهف:39].
((ولولا)) يعني: هلا قلت عند دخولها هذا الذكر: ما شاء الله لا قوة إلا بالله.
قال الزمخشري: يجوز أن تكون (ما) موصولة، يعني: الأمر ما شاء الله، أو: شرطية منصوبة بالموضع، والجزاء محذوف، بمعنى: أي شيء شاء الله كان، والمعنى: هلا قلت عند دخولها والنظر إلى ما رزقك الله منها: الأمر ما شاء الله؛ اعترافاً بأنها وكل خير فيها إنما حصل بمشيئة الله وفضله، وأن أمرها بيده إن شاء تركها عامرة، وإن شاء خربها، وقلت أيضاً بجانب ما شاء الله: لا قوة إلا بالله؛ إقراراً بأن ما قويت به على عمارتها وتسديد أمرها إنما هو بمعونته وتأييده، فالله هو من يعمر هاتين الجنتين ويدبر أمرهما لا بحولي وفضلي، ولا حول ولا قوة إلا بالله عز وجل، وإنما تم ذلك بمعونته سبحانه وتعالى وتأييده.
إذاً: لا يقوى أحد في بدنه ولا ملك يده إلا بالله تعالى، والقصد من الجملتين: التبرؤ من الحول والقوة، وإسناد ما أوتيت إلى مشيئة الله وقوته وحده.
ثم أشار له صاحبه بأن تعييره إياه بالفقر لا يبعد أن ينعكس عليه، يعني: أنت تعيرني بالفقر وأنت لا تأمن أن يعاقبك الله بفقر أشد منه؛ فإن الأمر كله لله عز وجل، فقال له: ((إِنْ تُرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا))، يعني: إن اغتررت بأن رأيتني أقل منك مالاً وولداً فعيرتني بالفقر، ((فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ))، في الدنيا ((وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا))، يعني: مقداراً قدره الله وحسبه، وهو الحكم بتدميرها من صواعق وآفات علوية، ((فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا))، أي: تراباً أملس لا تثبت فيها قدم لملاستها.
((أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا))، أو يهلكها لا بآفات عليا كالحسبان، وإنما يهلكها بآفة من جهة الأرض بأن يصبح ماؤها غائراً في الأرض، ((فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا)) أي: حيلة تدركه بها بالحفر أو بغيره.
وقوله تعالى: (إن ترن)، وقوله: (أن يؤتين) رسم بدون ياء؛ لأنها من ياءات الزوائد، وأما في النطق فبعضهم يثبتها وبعضهم يحذفها، وهذا يبين لنا أن القرآن يؤخذ بالمشافهة؛ لأنه في الحالتين تكتب في المصحف بدون ياء، لكن من حيث القراءة فهناك قراءة بإثبات الياء وأخرى بحذف الياء.