((وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا))، أي: مثلاً للمؤمن والكافر، ((رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ))، وهي أعز ما يؤثره أولئك في تأزير كرومهم بالأشجار، وأعز شيء عند هؤلاء الناس أن تكون الجنات من الأعناب ثم تحاط بالنخل.
((وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا))، أي: بين الجنتين أو بين النخيل والأعناب.
((زَرْعًا))، يعني: فحصد منهما الفواكه والأقوات؛ لأن النخيل والأعناب فواكه، أما الزرع فهو القوت، فحصد لهما الفواكه والأقوات فكانتا منشأ الثروة والجاه.
((كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا))، أي: آتت ثمرتها كلها كاملة، ((وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا)) ولم تنقص منه شيئاً، ((وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَرًا))، يعني: فجرنا فيما بين هاتين الجنتين نهراً -بفتح الهاء- يسقي الأشجار والزروع، ويزيد في بهجة مرآهما تتميماً لحسنهما.
((وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ)) كان لصاحب الجنتين أنواع من المال غير الجنتين، مأخوذ من ثمر ماله إذا كثر، وقوله هنا: (وكان له ثمر)، لا يراد به الثمر الذي هو ثمر الفواكه متى وجبت، فإن هذا مما سبق ذكره، لكن المقصود أنواع من المال غير هاتين الجنتين مشتق من (ثمر ماله) إذا كثر.
((فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ)) أي: وهو يراجعه الكلام تعييراً له بالفقر فخراً عليه بالمال وبما أوتي من الجاه، ((أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا)) أي: أنصاراً وحشماً.
((وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ))، يعني: اصطحب صاحبه هذا الذي كان يعايره بالفقر وأنه أكثر منه مالاً وأنصاراً وحشماً، وأخذ يطوف به في هاتين الجنتين، ويفاخره بما فيهما، كما يدل عليه السياق.
وإفراد الجنة هنا مع أن له جنتين كما نص لأمور: الأمر الأول: إما لعدم تعلق الغرض بتعددها، فقوله تعالى: ((وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ)) هذا سياق في تعداد نعم الله عليه أنهما جنتان وليس جنة واحدة.
الأمر الثاني: لاتصال الجنتين ببعضهما بحيث صارتا كأنهما جنة واحدة.
الأمر الثالث: لأن الدخول يكون في واحدة ثم في التي تليها.
الأمر الرابع: قيل الإضافة تأتي بمعنى اللام، فالمراد بها العموم والاستغراق، أي: دخل كل ما هو جنة له يتمتع بها، فيفيد ما أفادته التثنية مع زيادة، وهي الإشارة إلى أنه لا جنة غير هذه.