قال الله تبارك وتعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} [البقرة:116].
قوله عز وجل: (وقالوا) في بعض القراءات بواو: (وقالوا اتخذ الله ولداً) وفي قراءة أخرى: (قالوا اتخذ الله ولداً) وهما قراءتان سبعيتان متواتران، بالواو وبدون الواو، والمقصود بها اليهود والنصارى والمشركون، لأن المشركين زعموا أن الملائكة بنات الله، فالآية تعود على اليهود والنصارى وكل من زعم لله ولداً، {وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا} [الكهف:4]، وكلمة (ولد) تعم الذكر والأنثى، كما في قوله: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [النساء:11]، فأدرج الذكر والأنثى في صفة الأولاد.
(وقالوا اتخذ الله ولداً) فقال الله سبحانه وتعالى رداً عليهم: (سبحانه) يعني: تنزيهاً له عن الولد، (بل له ما في السماوات والأرض) ملكاً وخلقاً وعبيداً، ملكاً: فهو سبحانه وتعالى مالك من في السماوات ومن في الأرض، وخلقاً: فهو خالقهم سبحانه وتعالى، وعبيداً: فهو ربهم، والملكية تنافي الولادة، وعبر بما تغليباً لا يعقل، وإن دخل فيه من يعقل من الإنس والجن والملائكة.
(كل له قانتون) أي: مطيعون، كل بما يراد منه، وفيه تغليب العاقل، وإن كان القنوت والخشوع والانقياد لأمر الله لا يصدر فقط من العاقل، بل يصدر مما سوى الإنس والجن والملائكة من الكائنات، وقد سبق أن عرضنا بحثاً مستفيضاً في هذا الأمر بعنوان: عبودية الكائنات، ولخصنا فيه رسالة لبعض إخواننا الأفاضل وهي رائعة جداً في هذا الباب، وفيها إثبات العبودية للجبال والأحجار وغير ذلك من الجمادات، فكل الكائنات عبيد لله سبحانه وتعالى.