أما النظر فيها من جانب الفصاحة المعنوية: فهي كما ترى نظم للمعاني لطيف، وتأدية لها ملخصة مبينة، وفي أوجز وأقصر عبارة وأبلغها يقول عز وجل: {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَاسَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [هود:44]، لا تعقيد يعكر الفكرة في طلب المراد، ولا التواء يشيك الطريق إلى المراد، بل إذا جربت نفسك عند اجتماعها وجدت ألفاظها تسابق معانيها ومعانيها تسابق ألفاظها، فما من لفظة في تركيب الآية ونظمها تسبق إلى أذنك إلا ومعناها أسبق إلى قلبك.
وهذا من أعظم مظاهر الإعجاز في هذه الآية الكريمة، فكأن المعنى في مسابقة مع اللفظ حتى كاد المعنى يسبق إلى قلبك قبل أن يصل اللفظ إلى أذنك من شدة الوضوح وسلاسة التعبير.