كما أشرنا من قبل أن إعجاز القرآن الكريم علم مستقل من علوم القرآن الكريم، وهو من العلوم المهمة التي نحن في أشد الحاجة إلى تدارسها، ولاشك أن كل آية من القرآن الكريم فيها إعجاز، وهذه الآية من الآيات التي فيها من مظاهر الإعجاز ما حير ألباب فطاحل البلاغة والبيان والبديع وسائر علوم الإعجاز.
وقد ذكر القاسمي هنا فصلاً طويلاً نسبياً في هذا الموضوع، وسنمر عليه بدون تعليقات كثيرة.
يقول القاسمي: (هذه الآية بلغت من أسرار الإعجاز غايتها، وحوت من بدائع الفرائد نهايتها، وقد اهتم علماء البيان بإيضاح تحب من لطائفها، ومن أوسعهم مجالاً في مضمار معارفها الإمام السكاكي فقد أطال وأطاب في كتابه المفتاح، وتلطف في البيان بألطف من نسيم الصباح، ونحن نورده بتمامه لنعطر الألباب بعرف مبتدئه ومسك ختامه، قال عليه الرحمة في بحث البلاغة والفصاحة، وتعريفها الأول: بأنها بلوغ المتكلم في تأدية المعاني حداً له اختصاص بتوفية خواص التراكيب حقها، وإيراد أنواع التشبيه والمجاز والكناية على وجهها، ثم تقديمه للفصاحة إلى ما يرجع إلى المعنى، وهو خلوص الكلام عن التعقيد، وإلى اللفظ وهو كونه عربياً أصلياً، جارياً على قوانين اللغة، أدور على ألسنة الفصحاء، وأكثر في الاستعمال.
يقول: وإذ قد وقفت على البلاغة وعثرت على الفصاحة المعنوية واللفظية، فأنا أذكر على سبيل الأنموذج آية أكشف لك فيها عن وجوه البلاغة والفصاحتين ما عسى يسترها عنك، ثم إن ساعدك الذوق أدركت منها ما قد أدرك من تحدوا بها.
يعني: أن من تحدوا بها من جهابذة اللغة والبلاغة والبيان والأدب وهم فحول قريش، قد رأوا بما عندهم من مفاهم البلاغة ومعرفتها ما أعجزهم عن أن يأتوا بمثل القرآن الكريم، فهذه المعاني أدركها هؤلاء لعلو شأوهم في الفصاحة وفي البلاغة، وعجزوا عن أن يأتوا بمثلها.
يقول: وهي قوله علت كلمته: {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَاسَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [هود:44]، والنظر في هذه الآية من أربعة جهات: من جهة علم البيان.
ومن جهة علم المعاني، وهما مرجعا البلاغة.
ومن جهة الفصاحة المعنوية.
ومن جهة الفصاحة اللفظية.